للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعدائه. ونحن نعرف أن مسألة التموين بالذات كانت من أعقد مشاكل الجيش الموحدي، وكانت تسبب له دائماً أزمات ومتاعب عديدة. ونحن نعتقد أننا لو قدرنا الجيش الموحدي بمختلف وحداته بمائتي ألف مقاتل، لكنا أقرب كثيراً إلى الحقيقة والمعقول.

واخترقت الجيوش الموحدية نهر الوادي الكبير، واتجهت صوب بياسة، وكانت قد تخلفت أياماً عن عبوره لارتفاع مائه، ثم عبرته حين نضب الماء، واحتلت سريات من خيرة أنجادها ممرات جبل الشارات المؤدية إلى بياسة وأبدة، ومنها ممر " لوسا " الوعر، الذي تستطيع قوة صغيرة باحتلاله أن تمنع جيشاً كبيراً من جوازه، ثم نزلت الجيوش الموحدية في البسيط الواقع تجاه هذا الممر وهو يقع اليوم أمام الطرف الغربي لقرية سانتا إيلينا Sta. Elena وتسميه رسالة الغزو الرسمية " بالمرشة ".

واعتزم الخليفة الناصر أن يصمد في هذا المكان للقاء النصارى. وكان الناصر يعتمد على ما بلغه من حوادث الانشقاق في الجيوش النصرانية، وما تلقاه من متاعب التموين، لانتهاز الفرصة في لقائها، وهي متعبة، فاترة الهمم. ويبدو من أقوال سائر الروايات الإسلامية، أن الناصركان واثقاً من النصر، معتزا غاية الاعتزاز بضخامة حشوده، وتفوقه العددي.

ولابد لنا قبل أن نعرض إلى تحركات الجيشين المتحاربين، أن نحاول أن نرسم للقارئ صورة واضحة من أوضاع هذه المعركة الشهيرة، والأمكنة التي وقعت فيها. ذلك أن دراسة ميدان معركة العقاب، وخواصه الطبوغرافية، مما يساعد على إيضاح كثير من الروايات التي وردت بشأن المعركة، وقد كان من حسن الطالع أن أتيح لنا أن نقوم بهذه الدراسة الشاقة، وأن نتجول في هضاب جبال سييرا مورينا (جبال الشارات) وأن نصعد إلى قممها الشاهقة، وأن نشهد الأمكنة التي اجتازتها وعسكرت فيها الجيوش النصرانية، وأن ندرس طبيعة المكان الذي كان يحتله الجيش الموحدي في أسفل الجبال.

ويجب أن نذكر أولا أن المعركة تعرف في التواريخ النصرانية، بمعركة نافاس دي تولوسا Navas de Tolosa ، وهذا الاسم ما زال يطلق حتى اليوم على محلة أو ضيعة صغيرة، تقع في سفح جبال الشارات على مقربة من شمال شرقي بلدة " لاكارولينا " الواقعة على الطريق الكبير الممتد من مدريد جنوبا إلى الأندلس

<<  <  ج: ص:  >  >>