العلماء والحفاظ، منهم أحمد بن هارون بن عات النفزى، وإسحاق بن إبراهيم المجابرى، ومحمد بن حسن الأنصارى المعروف بابن صاحب الصلاة، ومحمد ابن إبراهيم الحضرمى، وأيوب بن عبد الله بن عمر الفهرى، والشاعر الزاهد تاشفين بن محمد المكتب وغيرهم (١). بيد أنه مما يلفت النظر حقاً أن الرواية النصرانية مع ما يؤثر عنها من المبالغة في مثل هذه المواطن، تقدم إلينا عن خسائر الموحدين في الموقعة، أرقاما يطبعها نوع من الاعتدال، بكونها تقل كثيراً عما تقدمه إلينا الرواية الإسلامية، بيد أنها من جهة أخرى تبالغ في التقليل من خسائر النصارى ذلك أن ردريك الطليطلى قدر من قتل من المسلمين في الموقعة بمائتي ألف، وذلك من مجموع الجيوش الموحدية التي يقدرها بمائة وخمسة وثمانين ألف فارس، وعدد لا يحصى من المشاة، ويقدر الملك ألفونسو الثامن قتلى المسلمين في خطابه إلى البابا بمائة ألف، ويقدرهم أرنولد مطران أربونة بستين ألفاً، ثم يقول إنه من الممكن أن يكون قد هلك منهم أكثر من هذا العدد أثناء الفرار، وتقدر الأميرة برنجاريا القشتالية في خطابها إلى أختها الملكة بلانكا ملكة فرنسا، قتلى المسلمين بخمسة وثمانين ألفاً. بيد أن الروايات النصرانية تقدم إلينا في نفس الوقت عن خسائر النصارى في المعركة أرقاما لا يمكن أن يصدقها العقل، ومن الغريب أن شهود العيان الذين تقدم ذكرهم هم الذين يقدمون هذه الأرقام. فالمطران ردريك يقول لنا إنه لم يقتل في الموقعة من النصارى سوى خمسة وعشرين، والملك ألفونسو يذكر في خطابه إلى البابا أنهم لم يتجاوزوا الثلاثين، وأرنولد مطران أربونة يقول إنهم لم يتجاوزوا الخمسين، ولا ريب أن مثل هذه الأرقام الضئيلة لم تملها سوي أثرة الرواية النصرانية، ومحاولتها أن تسبغ ثوب المعجزة، على النصر الذي أحرزه النصارى. ومن المحقق أن خسائر النصارى كانت شديدة أيضاً، في مثل هذه المعركة التي التحم فيها الجيشان بأسرهما، وردت فيها هجمات النصارى الأولى بخسائر كبيرة لا ريب، ولم ينجحوا في اختراق قلب الجيش الموحدي إلا بعد جهود فادحة، وبعد أن ألقوا في المعركة بقواتهم الاحتياطية، ولا يمكن أن تقل هذه الخسائر عن الألوف العديدة، في جيش لم يكن يقل تعداده عن ثمانين ألف أو مائة ألف من الفرسان والمشاة. ويقدم إلينا الراهب ألبريكوس الذي عاش
(١) المعجب ص ١٨٣، والروض المعطار ص ١٣٨، وابن الأبار في التكملة (القاهرة) في التراجم رقم ٢٦٢ و ٥١٧ و ١٥٠٨ و ١٥٥٩.