للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بموقعة العِقاب، من مفردها عقبة، وذلك فيما يرجح لوقوعها بين الربى والتلال المانعة (١)، وليس بمعنى المعاقبة على الذنب، وإن كان بعض الكتاب والشعراء قد نسبوا إليها مثل هذا المعنى، في معرض التلويح بغضب الله وعقابه للموحدين، لأنهم حادوا عن جادته، وبغوا وتجبروا، واعتمدوا على كثرتهم ولم يعتمدوا على عونه. وينفرد صاحب روض القرطاس إلى جانب تسميتها بموقعة العقاب بتسميتها بموقعة " حصن العقاب " أو "حصن العقبان " (٢) وهو باسمه الإسبانى حصن فرّال أوكاستروفرال Castro Ferral الواقع في قمة جبل الشارات، والذى استولى عليه القشتاليون قبيل المعركة ثم تركوه ليعبروا الجبل من الناحية الأخرى التي أرشد عنها الراعي.

ومن المسلم أن خسائر المسلمين في معركة العقاب كانت فادحة جداً. والروايات الإسلامية تجمع كلها على أن الجيش الموحدي، قد هلك معظمه. بيد أنها تذهب أحيانا إلى تقديرات لا يستسيغها العقل، ومن ذلك ما يقوله صاحب روض القرطاس أنه لم ينج من الجيش الموحدي إلا الواحد من الألف، فإذا ذكرنا أنه يقدر جموع الجيش الموحدي بأكثر من نصف مليون، فمعنى ذلك أنه لم ينج من الموحدين في المعركة سوى خمسمائة جندى، وهذا منتهى الإغراق. ثم هو من جهة أخرى يقول لنا بأن سبب هذه الكثرة الفادحة من القتلى، يرجع إلى أن ملك قشتالة أمر أن ينادى في جيشه بأن لا أسر إلا القتل، ومن أتى بأسير قتل هو وأسيره (٣). ويصف صاحب الحلل الموشية الموقعة " بالهزيمة العظمى " التي فنى فيها أهل المغرب والأندلس. ويقول صاحب " الذخيرة السنية " مشيراً إلى الموقعة أنه قتل من المسلمين خلق كثير لا يحصر، وفيها فنى جيوش المغرب والأندلس (٤)، ولكن المراكشي وهو مؤرخ معاصر يقول لنا في نوع من الاعتدال، إنه قتل من الموحدين خلق كثير، ويتابعه في هذا الوصف صاحب الروض المعطار، ويقول لنا إنه قد هلك في الموقعة جملة من الأعيان والطلبة، منهم أبو بكر بن عبد الله بن أبي حفص، وعلي بن الغانى الميورقي. وسقط كذلك في المعركة عدة من أكابر


(١) جاء في القاموس المحيط أن عقبه بالتحريك هي مرقى صعب من الجبال والجمع عقاب (بكسر العين).
(٢) روض القرطاس ص ١٥٩ و ١٥٨.
(٣) روض القرطاس ص ١٥٩.
(٤) الحلل الموشية ص ١٢٢، والذخيرة السنية ص ٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>