للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حث جنده على الصمود. وتنوه الرواية الإسلامية بثبات الناصر وصموده اليائس في تلك اللحظة الرهيبة، التي تناثر فيها الجيش الموحدي، والحرس الخليفى من حوله أشلاء دامية، وشراذم فارة في كل ناحية، وتقول لنا إنه لبث في مكانه لا يتزحزح، حتى كادت الروم أن تصل إليه، بل كاد أن يهلك، وقتل حوله من العبيد أكثر من عشرة آلاف عبد، وأنه لولا ثباته على هذا النحو لاستؤصلت جموع الجيش الموحدي كلها قتلا وأسرا (١). واضطر الناصر في آخر لحظة أن يمتطى صهوة فرس قدمها إليه أعرابى كان إلى جانبه، وأن يفر مع نفر من خاصته على جناح السرعة جنوبا نحو بيّاسة، ثم اتخذ طريقه منها إلى جيان، وكانت فلول الجيش الموحدي عندئذ تفر في كل ناحية، ومن ورائها الفرسان النصارى يمعنون فيها قتلا وإفناء. واستمرت هذه المطاردة المروعة على مدى ثلاث مراحل حتى دخل الليل، وكانت أشنع ما وقع من ضروب السفك والتقتيل، إذ هلك فيها عشرات الألوف من الجند الفارين، وانقض الجند النصارى على المحلة الموحدية ينتزعون منها ما استطاعوا من المتاع والأسلاب، بالرغم من تحذير مطران طليطلة. وقبيل مغيب الشمس، كان الملوك النصارى، والمطران، والأساقفة، وجزء كبير من الجيش النصراني، قد دخلوا محلة الجيش الموحدي، واستقروا بها، وأضحى الجيش الموحدي العظيم الذي كان بها منذ ساعات قلائل فقط، أثراً بعد عين.

وكان وقوع هذه النكبة المروعة بالجيش الموحدي في يوم الاثنين الخامس عشر من شهر صفر سنة ٦٠٩ هـ الموافق يوم ١٦ يوليه سنة ١٢١٢ (٢)، وهي تعرف في التواريخ النصرانية حسبما قدمنا بموقعة هضاب أو عقاب تولوسا Las Navas de Tolosa لوقوعها فوق مجموعة من الوديان الصغيرة، التي تحيط بها الربى، تقع في سفح جبل الشارات الجنوبى، وتعرف أيضاً بموقعة أُبّدة لوقوعها على مقربة من شمال غربي هذه المدينة. وأما في التواريخ الإسلامية فإنها تعرف


(١) روض القرطاس ص ١٥٩، والمراكشي في المعجب ص ١٨٣، والبيان المغرب القسم الثالث ص ٢٤١.
(٢) هذا هو التاريخ الذي تأخذ به معظم الروايات الإسلامية، وهو الذي يتفق بالفعل مع الروايات النصرانية (راجع المعجب ص ١٨٣، وروض القرطاس ص ١٥٩، والروض المعطار ص ١٣٨).
ولكن ابن خلدون يضع تاريخها في أواخر صفر سنة ٦٠٩ هـ (كتاب العبر ج ٦ ص ٢٤٩). ويضع صاحب البيان المغرب تاريخها في يوم الاثنين ٨ صفر سنة ٦٠٩ - القسم الثالث ص ٢٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>