للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفرار (١)، ولاح للفريقين أن لواء النصر سوف يعقد للموحدين.

ولكن هذه البارقة لم يطل أمدها. ذلك أن ألفونسو الثامن ملك قشتالة، حينما شهد من فوق المرتفع ما آلت إليه المعركة، من تراجع القوات النصرانية في القلب والجناحين، وما ينذر به ذلك من هزيمة محققة، اعتزم في الحال أن ينزل إلى الميدان بقواته الاحتياطية المختارة، من قوات قشتالة وليون، ليقاتل قتال اليائس، واندفع بالرغم من اعتراض المطران والأساقفة والقوامس على مسلكه الخطر، في قواته إلى الصف الأمامى. وتبعه في نفس الوقت ملكا أراجون ونافارا كل في قواته، نحو جناحى الجيش الموحدي، وهجمت القوات النصرانية كلها في وقت واحد، بمنتهى العنف والشدة، حتى بدأت ميمنة الجيش الموحدي وميسرته في الارتداد أمام ضغط الفرسان النصارى، وفرّ الأندلسيون والعرب، وأحدث فرارهم اضطرابا في الصفوف. وهنا تمركز هجوم النصارى على قلب الجيش الموحدي، المكون من الجنود النظامية والاحتياطية، والذى تتوسطه قبة الخليفة الحمراء، ومن حولها الحرس الخليفى الأسود، وكان النصارى قد انتعشوا، بما شهدوا من تطور المعركة في صالحهم، فشددوا الهجوم على الموحدين. وصمد الموحدون، ودافعوا بمنتهى الشدة، ومن ورائهم الحرس الأسود شاهراً رماحه، من وراء السلاسل الحديدية الضخمة، وكان الخليفة الناصر قد أدرك حقيقة الموقف، فنهض من مجلسه وجلس أمام خبائه على درقته، وهو يحث جنوده على الاستبسال، واستطاع النصارى أخيراً أن يخترقوا قلب الجيش الموحدي إلى دائرة الحرس الأسود، فردتهم السلاسل الحديدية ورماح العبيد المشهرة حيناً، وهم كالبنيان المرصوص حول القبة الخليفية. ولكن النصارى " ردوا أكفال الخيل المدرعة إلى رماح العبيد " (٢) فاخترقوا الدائرة المدرعة، وكان أول من دخلها منهم الكونت ألبارو نونيز دي لارا على رأس كتيبة من الفرسان القشتاليين، وفي يده علم قشتالة الأبيض، ودخلها في نفس الوقت ملكا أراجون ونافارا كل من ناحيته، وبذلك مزق الجيش الموحدي من كل ناحية، وكثر القتل فيه كثرة مروعة، ولبث الخليفة الناصر حتى آخر لحظة في مجلسه الحرج، وهو يحاول


(١) وهذا ما تقوله لنا رواية ألفونسو العالم. وتراجع في: Primera Cronica General (Ed. Pidal) Vol. II, p. ٧٠١
(٢) روض القرطاس ص ١٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>