للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الليل في الصلاة والدعاء، وتلقى البركة والغفران البابوى على يد الأساقفة ورجال الدين. ولم نجد في الرواية الإسلامية ما يشير إلى أنه وقع في الجيش الموحدي في تلك الليلة، شىء من تلك المناظر المؤثرة، التي وقعت به قبيل اضطرام معركة الأرك، من تبادل الاستغفار بين الخليفة والناس، ومن وعظ وبكاء وحث على الجهاد، فقد كان الخليفة الناصر حسبما تشير سائر الروايات، واثقاً من النصر، واثقاً من تفوقه العددي الهائل، ولم يكن ينتظر سوى بدء المعركة لإحراز النصر المنشود.

وبدأت المعركة في الصباح الباكر من يوم الاثنين الخامس من صفر، وكان كل من الجيشين على أهبة لخوضها، وقد رتبت صفوفه وفقاً للأوضاع التي سبق وصفها. وبدأ النصارى بالهجوم، فهبطت طلائعهم مسرعة من المرتفع الذي تحتله الجيوش النصرانية في بسيط " مائدة الملك " Mesa del Rey إلى السهل الأسفل الذي يحتله الجيش الموحدي، والذى يشغل بسيطاً شاسعاً، يقع عند الطرف الغربي من بلدة " سانتا إيلينا "، ويستند من الخلف إلى سلسلة من المرتفعات المنخفضة، وانقضت على مقدمة الجيش الموحدي، فلقيتهم صفوف المتطوعة بقوة وثبات، واقتتل الفريقان بشدة حتى بدأ النصارى في التراجع، فأدركتهم الأمداد، وعادوا إلى الثبات تعززهم فرق الفرسان، التي صعب على المتطوعة الموحدين اختراقها، وهجم في نفس الوقت جناحا الجيش النصراني على جناحى الجيش الموحدي، واحتدمت بين الجيشين معركة هائلة عامة، وكانت طبول الساقة الموحدية، تهز الآفاق بدويها الرائع. ويستفاد من أقوال الروايتين الإسلامية والنصرانية، أن المتطوعة المسلمين بعد ثباتهم الأول، قد ارتدوا تحت ضغط النصارى الهائل، وكثر القتل فيهم، بل يقول لنا صاحب روض القرطاس، إنهم لبثوا يقاتلون حتى إستشهدوا عن آخرهم " وعساكر الموحدين والعرب وقواد الأندلس ينظرون إليهم لم يتحرك منهم أحد " (١). ولكن النصارى حين تقدموا بعد التغلب على فرق المتطوعة إلى قلب الجيش الموحدي، لقوا من الجند الموحدين أشد مقاومة، وردوا على أعقابهم. ومن جهة أخرى، فإن قوات الميمنة والميسرة الموحدية استطاعت بعد قتال عنيف أن ترد جناحى الجيش النصراني، وأخذ النصارى حسبما تقول لنا الرواية النصرانية ذاتها، في الارتداد


(١) روض القرطاس ص ١٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>