للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووادي الحجارة، ومنطقة شرقي إشبيلية والفرنتيرة، وهي مناطق تمتاز على الأغلب بهضابها الوعرة، وهو ما كان يشجع البربر في أحيان كثيرة على الثورة ومقاومة الحكومة المركزية للمحافظة على استقلالهم المحلي (١).

والعنصر الثالث الذي كانت تتكون منه الأمة الأندلسية هو عنصر المولدين، وهم القوط والإسبان الذين أسلموا منذ الفتح، ودخلوا حظيرة المجتمع الإسلامي إلى جانب زملائهم العرب والبربر، مؤثرين أن يتمتعوا في ظل الإسلام بمزايا المساواة والثقة، والتحرر من القيود والأعباء التي تلاحق الذميين. ويعرف أولئك المولدون في الإسبانية بالخوارج أو المرتدين Renegados، أي الذين ارتدوا عن دينهم القديم، وهو النصرانية، ويسمون أحيانا بالمسالمة أو بالأسالمة أو أسالمة أهل الذمة، متى كان إسلامهم حديثا. وكان المولدون يكونون بين السكان كتلة كبيرة ربما كانت الأغلبية، وقد كان إسلامهم سريعاً، ولم يأت جيل أو اثنان حتى استطاعوا الاندماج في المجتمع الإسلامي، وأضحى من الصعب تمييزهم من المسلمين الأصليين، وغدوا بمضي الزمن عنصرا من أهم عناصر السكان إن لم يكن أهمها جميعاً، سواء من حيث الكثرة أو المستوى الاجتماعي والحضاري.

وإلى جانب هذه العناصر الأساسية الثلاثة، التي كانت تتكون منها الأمة الأندلسية، كان ثمة عنصران آخران هما المستعربون أو النصارى المعاهدون Mozarabes وهم النصارى الذين آثروا الاحتفاظ بدينهم القديم، ولبثوا يعيشون في المدن والأراضي المفتوحة تحت الحكم الإسلامي، وقد كانت منهم ثمة أقليات كبيرة في بعض المدن مثل طليطلة وقرطبة، واليهود، وقد رأينا كيف ساعدوا الفاتحين المسلمين وقت الفتح، وتعاونوا معهم في حفظ المدن المفتوحة وإدارتها، وقد كانت منهم أقليات في معظم المدن الأندلسية، تتمتع بحماية الحكومات الإسلامية ورعايتها. وقد ازدهرت هذه الأقليات اليهودية فيما بعد، وظهرت منها شخصيات بارزة تولت مناصب كبيرة في الدولة، وغلب نفوذها في بعض المناطق، كما حدث في مملكة غرناطة البربرية، وظهرت كذلك في ميدان العلوم والآداب، ونبغ منها علماء نابهون مثل ابن ميمون وغيره.

تلك هي العناصر المختلفة التي كانت تتألف منها الأمة الأندلسية. وسوف نعود من آن لآخر إلى التحدث عن هذه العناصر في مختلف المواطن والمناسبات.


(١) يحدثنا ابن حزم تفصيلا عن منازل البربر في الأندلس. راجع جمهرة أنساب العرب (القاهرة) ص ٤٦٣ - ٤٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>