للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله تلك الآية ليعلم أن النصر من عند الله، وأن القدرة والحول والقوة بيد الله (١).

وقد أسفرت هزيمة العقاب الساحقة، عن أفدح وأروع الآثار التي يمكن تصورها، سواء بالنسبة للأندلس أو المغرب أو الدولة الموحدية. فأما بالنسبة للأندلس، فقد قضت هذه الهزيمة نهائياً، على سمعة الموحدين العسكرية في شبه الجزيرة، وتحطم ذلك الدرع الذي كانت تسبغه الجيوش الموحدية، القادمة من وراء البحر، على الأندلس وعلى دولة الإسلام بها، وتضعضع سلطان الحكم الموحدي بالأندلس، وأخذت الأندلس من ذلك الحين تنحدر إلى براثن الفوضى الطاحنة، وانتثرت غير بعيد إلى أحزاب وشيع جديدة، قامت لتضرب بعضها ْبعضاً، ولتبدأ عهداً جديداً من المعارك الانتحارية الصغيرة التي لا نهاية لها، والتي تذكرنا، بعهد الطوائف. وضمن ذلك النصر الباهر الذي أحرزته الجيوش النصرانية المتحالفة في هضاب تولوسا، لإسبانيا النصرانية، تفوقها السياسي والعسكرى في شبه الجزيرة، وفتح الباب واسعاً لغزو الاسترداد La Reconquista النصراني المنظم، الذي سوف يستمر من ذلك الحين في اجتناء ثماره، بانتزاع القواعد الأندلسية، واقتطاع أشلاء الأندلس الكبرى بصورة متتابعة، وفي فترات قصيرة مذهلة.

وقد تردد هذا الفزع الذي سرى إلى الأندلس يومئذ، وما كان يلوح لها من شبح الفناء، من جراء كارثة العقاب، واضحاً في الأدب والشعر. فمن ذلك ما قاله أبو إسحق إبراهيم بن الدباغ الإشبيلي:

وقائلة أراك تطل تفكرا ... كأنك قد وقفت لدى الحساب

فقلت لها أفكر في عقاب ... غدا سبباً لمعركة العقاب

فما في أرض أندلس مقام ... وقد دخل البلا من كل باب (٢)

وأما بالنسبة للمغرب، والدولة الموحدية، فقد كانت كارثة العقاب ضربة شديدة للمغرب، ولأهل المغرب، بما هلك فيها من حشود القبائل البربرية، وزهرة جنودهم، ومن الجيوش الموحدية النظامية، ولم يعد في مقدور هذه القبائل أن تقدم للغزو الكثير من حشودها، ولم يعد في مقدور الدولة الموحدية أن تجدد مثل


(١) روض القرطاس ص ١٦٠.
(٢) نفح الطيب ج ٢ ص ٥٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>