للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه الحملات العسكرية العظيمة، التي كان يقودها خلفاء مثل عبد المؤمن وأبي يعقوب يوسف والمنصور والناصر. وكما أن الرواية الإسلامية تنوه بخطورة آثار الهزيمة في مصير الأندلس، وتصفها بأنها كانت سبباً في " هلاك الأندلس " (١)، فإنها تنوه كذلك، وبنوع خاص، بالخسارة الآدمية الهائلة، التي وقعت من جرائها بالمغرب والأندلس، وتصف الموقعة بالهزيمة العظمى " التي فنى فيها أهل المغرب والأندلس (٢)، أو التي خلا بسببها أكثر المغرب (٣)، أو حسبما تقول لنا في عبارة أوضح وأشمل " إن المغرب قد باد أهله ورجاله وفنى خيله وحماته وأبطاله، وقتلت قبائله وأقياله، قد استشهد الجميع في غزوة العقاب " (٤). ويلخص لنا ابن الأبار، نتائج الموقعة المدمرة بالنسبة للأندلس في قوله إنها " أفضت إلى خراب الأندلس بالدائرة على المسلمين فيها، وكانت السبب الأقوى في تحيف الروم بلادها، حتى استولت عليها " (٥). وأما بالنسبة للدولة الموحدية، فقد هزت كارثة العقاب أركانها إلى الأعماق، وقضت على كل عوامل التوطد، التي أسبغها عليها المنصور بانتصاره في معركة الأرك، والتي تأيدت بإخماد ثورة بني غانية في إفريقية. ومما لا ريب فيه أن تضعضع الدولة الموحدية على هذا النحو، كان أكبر مشجع لبني حفص على اقتطاع إفريقية وإقامتهم غير بعيد لدولتهم المستقلة بها. ويلخص لنا صاحب الروض المعطار أثر الهزيمة في الدولة الموحدية بقوله " وكانت هذه الوقيعة أول وهن دخل على الموحدين، فلم تقم بعد ذلك لأهل المغرب قائمة " (٦).

ونستطيع بعد أن استعرضنا آثار هزيمة العقاب أن نقول في معرض المقارنة بينها وبين معركة الأرك، إن انتصار الموحدين في الأرك، بالرغم من عظمته ولمعانه، لم يسفر بالنسبة لإسبانيا النصرانية عن آثار عميقة، ولم يصب قشتالة بأكثر من ضعف عسكري مؤقت، استطاعت أن تنهض منه في فترة قصيرة، ولم يستطع الموحدون أن يقوموا في أعقابه إلا بغزوات عابرة لمنطقة إسترامادورة،


(١) البيان المغرب - القسم الثالث ص ٢٤٠.
(٢) الحلل الموشية ص ١٢٢.
(٣) المقري في نفح الطيب ج ٢ ص ٥٣٨.
(٤) الذخيرة السنية ص ٣٤.
(٥) ابن الأبار في " التكملة " (القاهرة) ج ١ ص ١٠٢.
(٦) الروض المعطار ص ١٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>