للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم لمنطقتى طلبيرة وطليطلة، وقد حاصروا طليطلة بالفعل، ولكنهم لم يحاولوا أو لم يستطيعوا الاستيلاء عليها. أما هزيمة العقاب، فقد رأينا بالعكس مما تقدم، ما كان لها من الآثار الهدامة العميقة.

ومن الغريب المدهش حقاً، أن الناصر لم يرد أن يلوذ بالصمت إزاء هذه الكارثة الفادحة، بل أراد أن يقدم عنها اعتذاره في رسالة رسمية، وجهت من إشبيلية إلى حضرة مراكش وإلى غيرها من قواعد المغرب والأندلس، وذلك في أواخر صفر سنة ٦٠٩ هـ. وقد نقل إلينا صاحب البيان المغرب بعض فصول هذه الرسالة، وهي من إنشاء الوزير الكاتب أبي عبد الله بن عياش، وفيها يقص علينا الناصر قصة استعدادات ألفونسو الثامن لمحاربة المسلمين، واهتمام البابا، والأحبار النصارى بمعاونته وشد أزره، وما كان من انضمام ملكى أراجون ونافارا إليه. ثم يصف لنا سيره للقاء النصارى، ويقول لنا إنه نشبت بين الفريقين في الموضع المعروف " بالمرشة " معركة " اشتد فيها الكفاح، وأرخصت الأرواح ". ثم يقول " ولكن الله أراد أن يمحص المؤمنين، ويبلى الكافرين، فكانت عاقبة اليوم على الخصوص لأهل الصلبان، والعاقبة المطلقة هي لأهل الإسلام والإيمان، وتحاجز الفريقان، والمسلمون عزيزة جوانبهم، محروسة بقدرة الله كتائبهم، لم تصب الحرب منهم أحدا، ولا نقصت لهم عدداً. وهي الحروب قضى الله أن تكون سجالا، وأن يجعل الله فيها لكل قوم مجالا ". ثم يقول في ختام رسالته: " وإذا كانت وفقكم الله الجيوش موفورة، والرايات منشورة، والعزائم باقية، وكفايات الله وافية، فلا تهنوا فإنا لا نهن، وانتظروا الكرة على الكفار، والإمداد عليهم، بجند الله الذين هم خير الأنصار، فما كان الله ليترك المؤمنين، حتى يأخذ أعداءهم أخذاً وبيلا، ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا. وعرفناكم لتكون عندكم هذه الوقيعة على وجهها، والنازلة على كنهها، ولتعلموا أنه لم يدر للموحدين قتيل، ولا أصيب منهم كثير ولا قليل والسلام " (١).

وإذا كان من الصعب أن يعلق المؤرخ على مثل تلك الرسالة، التي يصفها صاحب الروض المعطار بأنها من قبيل " الزخرف الكاذب "، فإنه يمكن القول بأنها محاولة جريئة من الخليفة المهزوم، للاعتذار عن نكبته وتهوين شأنها في نفوس أمته، واستدرار عطفهم، والتخفيف من سخطهم.


(١) راجع البيان المغرب - القسم الثالث ص ٢٤١، ٢٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>