للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- ٤ -

حاول ألفونسو الثامن ملك قشتالة، على أثر ظفره العظيم في موقعة العقاب أن يجتنى ثمار نصره باقتطاع ما يستطاع من الأراضي الإسلامية، فاستولى في أيام قلائل على معظم الحصون الإسلامية في تلك الناحية، وكان من بينها حصن فرّال (حصن العقاب)، الذي كان قد أخلاه قبل الموقعة، وبلج، وبانيوس، وتولوسا. ثم سار إلى مدينتي بيّاسة، وأبّدة، اللتين لا تبعدان عن مسرح المعركة سوى بضع مراحل. وكانت بياسة قد غادرها معظم أهلها، ولكن كان بها كثير من الجرحى والضعاف والفارين، فأحرق دورها، وخرب مسجدها الجامع، وقتل معظم من وجده بها، وأخذ بعضهم أسرى. ثم سار إلى مدينة أبدة، القريبة منها، وكانت تموج بأهلها، وبمن وفد عليهم من أهل بياسة، ومن الفارين، ولكنها كانت في حالة دفاع وأهبة، وقد امتنعت وراء أسوارها الحصينة، فحاصرها ألفونسو ثلاثة عشر يوما، وصمد المسلمون، ولحقت بالنصارى بعض الخسائر، ثم عرض المسلمون في النهاية أن يدفعوا فدية قدرها ألف ألف دينار على أن تترك المديئة حرة، وأن يتمتعوا بدينهم وشعائرهم، فقبل ألفونسو وزميلاه ملكا أراجون ونافارا هذا العرض، ولكن الأحبار عارضوا في تنفيذه، وأصروا على تسليم المدينة بلا قيد ولا شرط، فنزل الملوك عند هذا الضغط، ونقضوا العهد المقطوع، واقتحم الجنود النصارى المدينة، وقتلوا من أهلها زهاء ستين ألفاً، وسبوا منهم مثل هذا القدر. وتعترف الرواية النصرانية نفسها بهذه الشناعات، وتقدر من قتل وسبي من أهل أُبّدة، بمائة ألف، ويقدر بعضها السبايا وحدهم بمائة ألف (١)، ويقول لنا المراكشي، وهو المؤرخ المعاصر، إن ألفونسو دخل أبدة عنوة، فقتل وسبي وفصل هو أصحابه من السبي من النساء والصبيان، بما ملئوا به بلاد الروم قاطبة، فكانت هذه أشد على المسلمين من الهزيمة (٢). ثم هدم النصارى دور المدينة، بعد أن خلت من سكانها حتى أصبحت خرابا يبابا.

ولم يكن بين النصارى الظافرين وبين مدينة جيان سوى بضع مراحل، وكان من الطبيعي أن يقصد ملك قشتالة إلى انتزاع هذه القاعدة الأندلسية الهامة،


(١) راجع أشباخ - الترجمة العربية ص ٣٧٢، وكذلك:
Huici: Imperio Almohade, Vol. II p. ٤٢٧.
(٢) المعجب ص ١٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>