للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد وصف لنا المراكشي وهو مؤرخ معاصر، وربما شاهد عيان، صفات الناصر في قوله: " كان كثير الإطراق، شديد الصمت، بعيد الغور، كان أكبر أسباب صمته لثغاً كان بلسانه، حليما، شجاعاً، عفيفاً عن الدماء، قليل الخوض فيما لا يعنيه، إلا أنه كان بخيلا " (١). ونحن نعتقد أن وصف الناصر بالعفة عن الدماء، وصف في غير موضعه، لما رأيناه فيما تقدم، من تسرعه في سفك دماء بعض العمال، ودماء القادة الأندلسيين. ويقول صاحب روض القرطاس " إنه كان كبير الهمة، غليظ الحجاب، لا تكاد تصله الأمور إلا بعد الجهد، مصيب برأيه، مستبد في أموره وتدبير مملكته بنفسه " (٢) وأما عن شخصه، فيوصف الناصر، بأنه كان أبيض، أشقر اللحية، أشهل العينين، نحيل الجسم، حسن القامة.

ووزر للناصر في البداية وزير أبيه عبد الرحمن بن يوجان، ثم استوزر من بعده أخاه إبراهيم بن الخليفة المنصور، ثم ولى الوزارة من بعده أبو عبد الله محمد ابن علي بن أبي عمران، فسار فيها سيرة حسنة، وكان يحض الخليفة على فعل الخير، ونشر العدل، والإحسان إلى الرعية والجند، ثم عزله الناصر، ووُلّى الوزارة من بعده، أبو سعيد عثمان بن عبد الله بن إبراهيم بن جامع. وإبراهيم هو جد هذه الأسرة من الوزراء ومن صحب المهدي ابن تومرت حسبما سبقت الإشارة إليه. وتولى القضاء للناصر، أبو القاسم أحمد بن بقى قاضي أبيه، ثم أبو عبد الله محمد بن مروان، فلبث في منصبه حتى توفي في سنة ٦٠١ هـ، فخلفه في القضاء أبو عمران موسى بن عيسى بن عمران، واستمر بقية عهد الناصر وشطراً من عهد ابنه المستنصر. وكان من كتاب الناصر اثنان من أسرة بني عياش اللامعة، هما الكاتب الأديب البارع أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن عياش كاتب أبيه من قبل، وأبو الحسن علي بن عياش بن عبد الملك بن عياش، وكان أبوه من كتاب عبد المؤمن، وأبو عبد الله محمد بن يخلفتن الفازازي.

وكان من كتاب جيشه أبو الحجاج يوسف المرانى وهو أندلسي من أهل شريش، وأبو جعفر أحمد بن منيع. ولم ينجب الناصر لدين الله من الولد سوى ثلاثة من البنين، هم يوسف المستنصر ولى عهده، والخليفة من بعده، ويحيى وقد توفي في حياة أبيه في سنة ٦٠٨ هـ، وإسحاق، وعدد من البنات.


(١) المعجب ص ١٧٦.
(٢) روض القرطاس ص ١٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>