للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعض جواريه بوضع السم له في قدح من الخمر فمات من حينه (١). ولكن المراكشي وهو في ذلك أكثر اطلاعاً وأقرب إلى الثقة، لمعاصرته لتلك الحوادث، يقول لنا إن أصح ما بلغه عن وفاة الناصر " أنه أصابته سكتة من ورم في دماغه، وذلك يوم الجمعة لخمس خلون من شعبان، فأقام ساكتا لا يتكلم يوم السبت والأحد والاثنين والثلاثاء، وأشار عليه الأطباء بالفصد فأبى ذلك، وتوفي يوم الأربعاء لعشر خلون من شعبان سنة ٦١٠، ودفن يوم الخميس، وصلى عليه خاصة الحشم " (٢).

وكان الخليفة محمد الناصر لدين الله، آخر ذلك الثبت من الخلفاء الموحدين الذين اقترنت بعصرهم بعض الأحداث الضخمة الحاسمة، وكان أهم تلك الأحداث أولا تحطيم ثورة بني غانية في إفريقية، وهو ألمع حادث في عهده، ويقترن بذلك فتح الموحدين لميورقة، وثانيا نكبة العقاب المشئومة التي هزت أركان الدولة الموحدية بالمغرب والأندلس. ولم يكن ثمة في بداية عهده ما يؤذن بأنه صائر إلى ذلك الانهيار، الذي انتهى إليه في فترته القصيرة، بل كانت صولة أبيه العظيمة، وذكريات نصر الأرك الباهر، مازالت تظلل الخلافة الموحدية. وقد بدأ الناصر عهده بداية حسنة، وأبدى همة ظاهرة في إدارة الشئون وتنظيم الإدارة، ومطاردة الفساد، وإقصاء العمال الظلمة والمرتشين، ولكنه لم يتذرع في ذلك بالروية وبعد النظر، بل كان يغلب في ذلك النزق والاستبداد. وكان الناصر في البداية، وهو مايزال في شرخ فتوته يسترشد بآراء أشياخ الموحدين، في تسيير الشئون الكبرى، ولاسيما بآراء الشيخ أبي محمد عبد الواحد بن أبي حفص، وفقاً لوصية أبيه المنصور، ولكنه لما اشتد ساعده، استبد بالأمر، ولم يعد يقبل نصحاً أو مشورة من أحد، حتى أنه رفض نصح الشيخ أبي محمد عبد الواحد، حينما استشاره في شئون الأندلس، بألا يسير إلى غزوته الكبرى، التي انتهت بنكبته في موقعة العقاب. ولم يقع في عهد الناصر شىء يذكر من الأعمال الإنشائية، التي امتاز بها عهد أبيه وجده، ولم يكن الناصر على شىء خاص من أنواع العلوم أو المعرفة، ولم يجتمع في بلاطه أحد من أولئك العلماء المبرزين، الذين اجتمعوا حول أبيه، وإنما كان يلوذ ببلاطه فقط بعض الشعراء الملقين، الذين عرفناهم فيما تقدم، مثل أبي العباس الجراوى، ووزيره خالد اللخمى وغيرهما.


(١) البيان المغرب - القسم الثالث ص ٢٤٣، وروض القرطاس ص ١٦٠.
(٢) المعجب ص ١٨٤، ونقله النويرى (طبعة ريميرو ج ٨ ص ٢٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>