للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المرحلة في الأندلس بالأخص، طابعاً مشئوماً، لم يسبق للأندلس أن نكبت بمثله، فتغدو من جديد مسرحاً مضطرما للحرب الأهلية، أولا فيما بين الموحدين المتنافسين على العرش، وثانيا فيما بين أبناء الأندلس أنفسهم، وفي خلال هذه الموجة الغامرة من المحنة القومية، تتحفز اسبانيا النصرانية، لانتهاز الفرصة السانحة، وتنظم متعاونة متفاهمة، أخطر برنامج لفتوح " الاسترداد "، وتهتز مصاير القواعد الأندلسية الكبرى، ومصاير الأمة الأندلسية كلها.

خلف المستنصر بالله، أبو يعقوب يوسف، أباه محمد الناصر، في اليوم التالي لوفاته، في الحادي عشر من شعبان سنة ٦١٠ هـ (٢٣ ديسمبر سنة ١٢١٣ م) وأمه حرة، هي فاطمة بنت السيد أبي علي بن يوسف بن عبد المؤمن، وقيل إنها أم ولد نصرانية تدعى قمر (١). وكان المستنصر حين ولايته فتى في السادسة عشرة من عمره، إذ كان مولده في أول شوال سنة ٥٩٤ هـ (٢)، وهناك أقوال أخرى بأنه كان في العاشرة من عمره (٣)، ولكننا نفضل الأخذ بالرواية الأولى، إذ هي رواية المؤرخ الموحدي المعاصر، وهو الذي يقدم لنا تاريخ مولده، ويأخذ بهذه الرواية مؤرخان كبيران هما ابن خلكان وابن خلدون (٤).

وكان يوسف المستنصر فتى وسيما، حسن القد، جميل المحيا، صافى السمرة، شديد الكحل، ولم يكن على قول المؤرخ في بني عبد المؤمن أحسن وجها منه، ولا أبلغ في المخاطبة (٥). وكان أبوه الناصر لدين الله قد أخذ له البيعة بولاية عهده عقب عوده من الأندلس، على أثر موقعة العقاب، في أواخر ذي الحجة سنة ٦٠٩ هـ، قبيل وفاته بأشهر قلائل، وكان أول من أخذ له البيعة الخاصة، عم جده أبو موسى عيسى بن عبد المؤمن، وأبو زكريا يحيى بن أبي حفص عمر بن عبد المؤمن، ومن أشياخ الموحدين أبو محمد عبد العزيز بن عمر ابن أبي زيد الهنتاني، وأبو علي عمر بن موسى عبد الواحد الشرقي، وأبو مروان


(١) يقول بالرواية الأولى، صاحب روض القرطاس (ص ١٦٠)، وبالثانية المراكشي (المعجب ص ١٨٤).
(٢) المراكشي في المعجب ص ١٨٤.
(٣) هذه هي رواية ابن عذارى في البيان المغرب - القسم الثالث ص ٢٤٣، وصاحب الحلل الموشية ص ١٣٣.
(٤) ابن خلكان في وفيات الأعيان ج ٢ ص ٤٣٤، وابن خلدون في العبر ج ٦ ص ٢٥٠.
(٥) وفيات الأعيان ج ٢ ص ٤٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>