للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القوطية التي سحقها العرب عند فتح الأندلس (٩٢ هـ - ٧١١ م)، والتي قامت بعد ذلك تستأنف حياتها ضئيلة متواضعة، في قاصية اسبانيا الشمالية الغربية وفيما وراء الصخر، ثم لبثت تنمو بطيئة ولكن ثابتة، حتى رسخت دعائمها في هاتيك الهضاب، وبدأت بعد ذلك معركة الحياة والموت، مع تلك المملكة الإسلامية التي قامت في الجنوب، على أنقاض مملكة القوط القديمة، وهي معركة تشغل منذ الآن حيزاً كبيراً في تاريخ الإسلام في اسبانيا.

وقد نشأت المملكة الإسبانية النصرانية في ظروف كالأساطير، ونشأت في نفس الوقت الذي افتتح فيه العرب اسبانيا، وسحقوا دولة القوط القديمة. ففي موقعة شَريش التي مزق فيها جيش القوط وقتل آخر ملوكهم ردريك (لذريق) (٩٢ هـ)، فرت شراذم قليلة من الجيش المنهزم إلى الشمال، واختفت فيما وراء تلك الجبال الشمالية، التي وقف عندها تيار الفتح الإسلامي، واجتمعت بالأخص في هضاب كانتابريا (نافار وبسكونية) في الشرق، وفي هضاب أشتوريش (١) في الغرب، واجتمع فل النصارى في الهضاب الشرقية تحت لواء زعيم يدعى الدوق بتروس، واجتمع فلّهم في الهضاب الغربية في جليقية تحت لواء زعيم يدعى بلاجيوس أو بلايو. وكان بتروس ينتمي إلى أحد الأصول الملكية، وكان من قادة الجيش في عهد وتيزا ملك القوط، ثم في عهد خلفه ومغتصب ملكه ردريك. أما بلاجيوس أو بلايو فيحيط الغموض بأصله ونشأته، ولكن يبدو مما تنسبه إليه الرواية من ألوان الوطنية والبسالة والبطولة، أنه كان رفيع المنبت والنشأة، وتقول بعض الروايات إنه ولد الزعيم فافيلا (٢) الذي قتل الملك وتيزا في هضاب جليقية، وإنه كان لذلك من خاصة الملك ردريك وقادته. وهذا ما يردده سيمونيت إذ يقول في أصل بلاجيوس ما يأتي؛ " وكان الحزب المتمسك بدينه ووطنه، المنكر لخيانة أولاد وتيزا، قد اختار له رئيساً رفيع المواهب هو الدون بلايو بن فافيلا، من سلالة القوط الملكية. ويقول البعض إنه ولد من يدعى فريمندو، وحفيد للملك ردريك، وقد حارب إلى جانب ردريك. ثم رأى فيه الأحبار والأكابر الذين التفوا حوله، أنه جدير بالعمل على إحياء مملكة


(١) في الجغرافية الحديثة " أستورية " Asturias
(٢) ابن خلدون ج ٤ ص ١٧٩، حيث يقول " وملكوا عليهم (أى الجلالقة) بلاي ابن فافلة ".

<<  <  ج: ص:  >  >>