للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسارت الجيوش الموحدية المجتمعة صوب القصر، فوصلت إليه في أوائل شهر سبتمبر، وكان المسلمون مازالوا صامدين في ثغرهم، وقد استطاعوا أن يردوا عدة هجمات للمحاصرين. وسارت في نفس الوقت طائفة من السفن الموحدية إلى مياه القصر، لتسد الطريق على السفن المحاصرة. ونشب القتال بين الجيوش الموحدية المتحدة وبين النصارى. والظاهر أن البرتغاليين كانوا يتفوقون في الكثرة على المسلمين، إذ كان جيشهم يضم وفقاً للرواية النصرانية ذاتها، عشرين ألفاً من الرجّالة وعدداً من الفرسان. فهزم المسلمون ومزقت صفوفهم. ويقول لنا صاحب روض القرطاس، إن المسلمين ما كادوا يرون النصارى حتى أدركهم الرعب، وولوا الأدبار، وذلك لسابق رعبهم منذ هزيمة العقاب، فطاردهم النصارى وقتلوهم عن آخرهم (١)، ويقول صاحب الروض المعطار، إنه قد اجتمع من الأمداد جيش عظيم، لكنهم تخاذلوا على عادتهم، فكانت الهزيمة عليهم وولوا مدبرين، ووقع القتل والأسر، ولم يبرز للمسلمين من الروم إلا نحو سبعين فارساً، ورأى أهل الحصن ذلك فأيقنوا بالتغلب عليهم (٢).

ويضع ابن الأبار تاريخ الموقعة في شهر جمادى الأولى سنة ٦١٤ هـ (أغسطس ١٢١٧ م)، وفي موطن آخر في أحد شهرى ربيع سنة ٦١٤ هـ متقدماً قليلا عن الرواية النصرانية، ويقول إنه فقد فيها آلاف من المسلمين بتخاذل رؤسائهم، يوم التقى الجمعان، وأن الموقعة كانت " إحدى الكوائن المنذرة حينئذ بما آلى إليه أمر الأندلس " (٣).

ومع ذلك فقد بقيت حصن القصر صامدة، فلما رأى النصارى أنهم لم يستطيعوا ثلم الأسوار، صنعوا برجين عاليين من الخشب، يضارعان في ارتفاعهما أبراج المدينة، وشحنوهما بالرماة، وركبوا في جوانبهما آلات الرمى، وضربوا الأسوار من هذين البرجين ضرباً شديداً، حتى أيقن المدافعون أنه لا أمل في الصمود، فعرضوا التسليم. على أن يسمح لهم بالخروج بأموالهم، فرفض النصارى، ووافقوا فقط أن يسمح لهم بالخروج أحياء، دون أن يحملوا شيئاً معهم. ففتحوا الأبواب، وانطلقوا إلى حال سبيلهم، وسلمت المدينة بعد أن لم تبق أية وسيلة


(١) روض القرطاس ص ١٦١.
(٢) الروض المعطار ص ١٦٢.
(٣) الرواية الأولى في الحلة السيراء ص ٢٤٢. والثانية في التكملة (القاهرة) ج ٢ في الترجمة رقم ١٥٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>