للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن الخليفة يوسف بن عبد المؤمن (١)، وكان شيخاً قد جاوز الستين، يعيش مغموراً في هدوء ودعة. ويقول لنا المراكشي، فيما بلغه، أنه لما توفي المستنصر، اضطرب الأمر، وتطلع الناس لنشوب الخلاف، ولكن معظمهم اجتمعوا على تقديم السيد الأجل أبي محمد عبد العزيز (عبد الواحد) (٢). على أنه يبدو أن اختيار عبد الواحد، كان أمراً تقرر بمنتهى السرعة، إذ بويع في اليوم التالي لوفاة المستنصر، أعني في يوم الأحد الثالث عشر لذى الحجة، ويبدو في نفس الوقت أن هذا الاختيار لشيخ جاوز الستين، يرجع إلى حكمة مزدوجة، أولا لكي يكون أداة مطواعة للزعماء الذين يقبضون على ناصية الحكم، وثانياً لكي تكون خلافته، ومفروض أنها سوف تكون قصيرة الأمد، فترة انتقال، يتمكن الأشياخ فيها من حسم خلافاتهم، والاتفاق على الخليفة الحقيقي.

ويقدم إلينا المراكشي، وقد عرف السيد عبد الواحد شخصياً، تفاصيل عديدة عنه، وعن حميد صفاته. فهو من أصغر أولاد الخليفة يوسف بن عبد المؤمن وأمه حرة اسمها مريم وهي صنهاجية من أهل قلعة بني حماد، كانت قد سبيت هي وأمها فيمن سبوا عند افتتاح عبد المؤمن للقلعة، فأعتقهما عبد المؤمن، وزوج مريم لابنه أبي يعقوب يوسف، فرزق منها بثمانية من الولد، أربعة ذكور، وأربع إناث، وكان الذكور هم ابراهيم وموسى وإدريس وعبد الواحد وهو أصغرهم. ولبث عبد الواحد طيلة شبابه مغموراً، لم تسند إليه ولاية ما، حتى تولى الخلافة ابن عمه الناصر لدين الله، فأسند إليه ولاية مالقة، وذلك في سنة ٥٩٨ هـ، ثم صرفه عنها في سنة ٦٠٣ هـ، وولاه أمر قبيلة هسكورة، وهي ولاية ضخمة، فاستمر في ولايته هذه طوال عهد الناصر، وشطراً من عهد ولده المستنصر. ثم اختاره المستنصر والياً لسجلماسة، ثم والياً لإشبيلية، وذلك حينما عزل عنها أخوه أبو العلاء إدريس، ونقل إلى ولاية تونس، ثم صرف عنها وعاد إلى مراكش.

وقد بويع السيد أبو محمد عبد الواحد بالخلافة على كره منه، فم يك راغباً فيها، ولم يك يصلح لها (٣). وكان حسبما يصفه لنا المراكشي عن علم ومشاهدة،


(١) وفي الحلل الموشية أن كنيته " أبو مالك " ص ١٢٣.
(٢) المعجب ص ١٨٧.
(٣) روض القرطاس ص ١٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>