للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رجلا ورعا صالحاً، بعيد النظر، قوي العزم، شديد الشكيمة، حريصاً على اتباع الحق، لا تأخذه فيه لومة لائم، كثير التلاوة لكتاب الله، دؤوباً على تلاوة الأوراد، لا يمنعه عن ذلك مانع، ولا يترك وظيفة من الوظائف التي رتبها لنفسه، من أخذ العلم وقراءة القرآن والأذكار، رتبها على أوقات الليل والنهار. يقول المراكشي: " شهدت هذا كله بنفسى، لا أنقله عن أحد، ولا أستند فيه إلى رواية. هذا مع دماثة خلق، ولين جانب، وخفض جناح لأصحابه، ولمن علم فيه خيراً للمسلمين ". وأما عن شخصه فيصفه المراكشي بأنه كان " أبيض تعلوه صفرة، جميل الوجه جداً، معتدل القامة، متناسب الأعضاء " (١).

وتمت بيعة السيد أبي محمد عبد الواحد في جو من التفاهم والوفاق، ولم يختلف أحد في المغرب على بيعته، ولم يبد عليها اعتراض من أحد، ولم يتخذ الخليفة الجديد لقباً خلافياً كأسلافه، ولكنه عرف فيما بعد " بالمخلوع " لأنه كان أول من خلع بني عبد المؤمن عن كرسى الخلافة. وكان في مقدمة تصرفاته أن أمر بمحاسبة ابن أشرفى صاحب المخزن، ومطالبته بالمال. وكتب لأخيه أبي العلاء الكبير بتجديد الولاية على إفريقية، وكان المستنصر قد أوعز بعزله، بيد أنه توفي قبل استئناف ولايته، وأمر بإطلاق سراح الوزير السابق أبي زيد عبد الرحمن بن موسى ابن يوجان، ولكن الوزير ابن جامع اعترض على تنفيذ هذا الأمر، وبعث بابن يوجان مع الأسطول بقصد تغريبه إلى ميورقة (٢). ولكنه لما وصل إلى الأندلس، أخذ وسجن في حصن جنجالة، فبقى فيه حتى توفي ابن جامع، وعندئذ أطلق سراحه (٣). ثم كان ظهور الخلاف والمعارضة للخليفة الجديد، لا في المغرب ولكن في جهة أخرى، فيما وراء البحر، أعني في شبه الجزيرة الأندلسية. وذلك أنه لم يمض شهران على بيعته بالمغرب ومعظم أنحاء الأندلس، حتى ارتفع أول صوت ضد بيعته في شرقي الأندلس، وكان هو صوت ابن أخيه السيد أبي محمد عبد الله ابن يعقوب المنصور. وكان أبو محمد عبد الله عندئذ، واليا لمرسية. وكان إخوته أبو العُلى (أبو العلاء) والياً على قرطبة، وأبو الحسن والياً على غرناطة، وأبو موسى والياً على مالقة. وكان قد استوزر أبا زيد بن يوجان بعد إطلاق سراحه.


(١) المعجب ص ١٨٨.
(٢) ابن خلدون في العبر ج ٦ ص ٢٥١.
(٣) الروض المعطار ص ٦٧ في مقال جنجالة.

<<  <  ج: ص:  >  >>