للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان ابن يوجان هذا داهية زمانه، فلما وردت الأنباء بأخذ البيعة لأبي محمد عبد الواحد، تقدم ابن يوجان إلى السيد أبي محمد عبد الله، وحذره من المبايعة للخليفة الجديد، وقال له إنهم بتنصيب عبد الواحد، قد أخرجوا الإمامة عن عقب سيدنا المنصور، وأنه يشهد بأن المنصور قال إن لم يصلح محمد (أعني الناصر) فعبد الله، وأنه أي عبد الله أحق بالخلافة، فهو ولد المنصور، وأخو الناصر، وعم المستنصر، وأنه صاحب عقل وحزم وسياسة وبعد نظر، ولن يختلف اثنان على استحقاقه للخلافة، خصوصاً وأن الناس يكرهون بني جامع الذين توارثوا الوزارة، وجعلوا يقصون عن الحضرة كل ذي رأى ومقدرة، وأخيراً فإن له من وجود أخوته الثلاثة في رياسة قرطبة وغرناطة ومالقة أكبر عضد (١). وكان لتوجيه ابن يوجان وتحريضه أكبر الأثر، فنهض السيد أبو محمد واستدعى أشياخ الموحدين والفقهاء والأعيان بمرسية وأحوازها، ودعاهم إلى مبايعته، فلبوا دعوته، وتسمى بالعادل، وكان ذلك في يوم ١٣ صفر سنة ٦٢١ هـ وذلك لشهرين من بيعة أبي محمد عبد الواحد، وبايعه إخوته ولاة قرطبة، وغرناطة ومالقة. وكذلك بايعه السيد أبو محمد عبد الله بن أبي عبد الله محمد ابن يوسف بن عبد المؤمن صاحب جيان، وهو الذي عرف فيما بعد بالبيّاسى، لقيامه فيما بعد ضد العادل ببياسة. وكان سبب انضمامه للعادل ما قرره الخليفة عبد الواحد من عزله، بعمه أبي الربيع بن أبي حفص، فانتقض عليه وبايع للعادل (٢). وفي رواية أخرى أن عبد الله البياسى كان عند قيام العادل والياً على إشبيلية (٣). وعلى أي حال، فقد استطاع العادل أن يحصل على تأييد سائر قواعد الأندلس، خلا بلنسية ودانية وشاطبة، حيث امتنع واليها السيد أبو زيد بن أبي عبد الله محمد أخو البياسى عن مبايعته، وبقيت هذه القواعد على طاعته. ثم خرج العادل من مرسية وبصحبته وزيره أبو زيد بن يوجان، وسار إلى إشبيلية، وأخذ في تدبير الأمور، ولم يلبث أن برم بطغيان ابن يوجان واسئثاره بكل أمر، فبعثه إلى سبتة، ليكون هناك نائبه، ولينظر في شئون العودة. وهنا يحيق الغموض بسير الحوادث سواء بالمغرب أو الأندلس.


(١) الروض المعطار ص ٦٨، وروض القرطاس ص ١٦٢.
(٢) ابن خلدون ج ٦ ص ٢٥١.
(٣) هذه رواية ابن عذارى في البيان المغرب - القسم الثالث ص ٢٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>