للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففي رواية أن العادل حينما وصل إلى إشبيلية، وصلته هنالك بيعة أهل مراكش وبلاد المغرب. وفي رواية أخرى أنه كتب إلى الأشياخ الموحدين بحضرة مراكش يدعوهم إلى بيعته، وخلع عبد الواحد ووعدهم بجزيل الصلات، ورفيع المناصب والولايات، فصدعوا برغبته ودخلوا على الخليفة عبد الواحد، وهددوه، وأرغموه على أن يعلن خلع نفسه، وأن يشهد بذلك على نفسه أمام القاضي والفقهاء والأشياخ، وكان ذلك في اليوم الثاني والعشرين من شهر شعبان سنة ٦٢١ هـ. ولم تمض أيام قلائل على ذلك، حتى دخلت عليه جماعة من الموحدين، وخنقوه، ونهبوا قصره، وسبوا حريمه، فكان بذلك أول من خلع وقتل من بني عبد المؤمن (١) ومن جهة أخرى فإنه يبدو أن أشياخ الموحدين بمراكش، لما بلغتهم بيعة العادل بالأندلس، اختلفوا فيما بينهم أولا، وبادروا بعزل الوزير ابن جامع، واقتسموا السلطات فيما بينهم، وأنفذوا أوامرهم إلى الأسطول بمنع جواز العادل إلى المغرب. ولكن الظاهر أنهم قرروا أمرهم فيما بعد، وبعثوا ببيعتهم إلى العادل (٢).

- ١ -

وفي أثناء ذلك اضطربت الحوادث بالأندلس، واتخذت وجهة جديدة لم تكن في الحسبان. وكانا لبيعة العادل أكبر أثر في تطورها على هذا النحو. وذلك أن السيد أبا محمد عبد الله بن محمد بن يوسف بن عبد المؤمن صاحب جيان، لما رأى من رفض أخيه السيد أبي زيد والي بلنسية ودانية وشاطبة، بيعة العادل، واعتصامه بهذه القواعد الشرقية، عاد بدوره، فأعلن خلعه لطاعة ابن عمه العادل ودعا لنفسه وتلقب بالظافر، وأطاعته جيان وأبدة وقيجاطه وبياسة، وسائر أراضي تلك المنطقة. فبادر العادل، وبعث من إشبيلية أخاه أبا العلاء إدريس ابن المنصور، في قوة كبيرة من الموحدين، لقتال السيد أبي عبد عبد الله وإخماد ثورته، فخرج السيد عندئذ من جيان ولجأ إلى بياسة وامتنع بها، وسمى من ذلك التاريخ بالبياسى، وبعث إلى فرناندو الثالث ملك قشتالة، يستنصر به، ونحن نعرف منذ أيام الطوائف، ماذا كان الثمن الذي يتقاضاه الملوك النصارى نظير هذه المعونة، فقد كان دائماً قطعة من أشلاء الأندلس، تبذل دون تحفظ، إلى


(١) البيان المغرب - القسم الثالث ص ٤٧، وروض القرطاس ص ١٦٢ و ١٦٣.
(٢) ابن خلدون ج ٦ ص ٢٥١ و ٢٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>