للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جانب الخضوع والطاعة. ولم يشذ البياسى عن هذه القاعدة المؤلمة، بل سنرى أنه ذهب فيها إلى أبعد حد.

وأشرف الجند الموحدون بقيادة أبي العلاء على بيّاسة في أواخر سنة ٦٢١ هـ (أواخر سنة ١٢٢٣ م)، ونزلوا في ظاهرها، وكان الوقت شتاء، وقد بلغ البرد ذروته، واشتد هطل الأمطار، وغمرت السيول كل صقع، فحاصر أبو العلاء بياسة أياما قلائل، ثم خشى أن يفيض النهر (الوادي الكبير) فيتعذر عليه العبور عند العودة، وخشى كذلك أن يداهمه القشتاليون حلفاء البياسى، وبعث إليه البياسى من جهة أخرى بعوده إلى طاعة العادل، وأرسل إليه ولده الأصغر رهينة لديه، فاكتفى أبو العلاء بذلك وارتد عائدا بقواته إلى إشبيلية، دون أن يحقق شيئاً من مهمته، فقوبل في إشبيلية بمنتهى الاستهجان والسخط، ورمى بالخور والجبن (١). وعندئذ بادر العادل بتجهيز جيش موحدى آخر، أسندت قيادته إلى أبي سعيد عثمان بن أبي حفص. فسار هذا الجيش إلى بياسة ونزل على بعد خمسة أميال من جنوبي المدينة، على مقربة من شمال الوادي الكبير، فخرج إلى قتاله نحو مائة فارس من أصحاب البياسى، وقوة من حلفائه القشتاليين، فسرى الرعب إلى الموحدين عند رؤيتهم، وبادروا إلى الفرار دون قتال وارتدوا إلى إشبيلية، وبقى البيّاسى في بياسة دون منازع، وقد احتل حلفاؤه القشتاليون قصبتها (٢).

وهنا يحيق الغموض بموقف البياسى وتحركاته، ويبدو من مختلف الروايات أنه استطاع في تلك الآونة أن يبسط سلطانه، فضلا عن منطقة بياسة، على مدينة قرطبة، وذلك على خلاف في طريق تملكها، فابن عذارى يقول لنا إن العادل هو الذي أسند إليه ولايتها، وقت أن كان مُقراً بطاعته، وصاحب روض القرطاس يقول إن أهل قرطبة هم الذين انضموا إليه. وأما صاحب الروض المعطار، فيقول إن البياسي هو الذي تملك قرطبة، بل يزيد على ذلك أنه تملك أيضا مالقة، " وكاد يستولي على الأمر لو ساعده القدر " (٣). وعلى أي حال


(١) الروض المعطار في مقاله عن بياسة ص ٥٧، وروض القرطاس ص ١٦٣.
(٢) الروض المعطار ص ٥٨.
(٣) البيان المغرب - القسم الثالث ٢٤٩، وروض القرطاس ص ١٦٤، والروض المعطار ص ٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>