للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد كان من الواضح أن البياسى، كان يحتل في الأندلس الوسطى مركزاً له خطره، وكان منافساً قوياً للعادل، يكاد ينتزع الأمر منه.

وكان العادل قد غدا بإشبيلية على أثر فشل قواته في إخضاع البياسى، في مأزق حرج. وزاد من حرج مركزه عندئذ، غزوة قام بها النصارى في أراضي الشّرف غربي إشبيلية. وذلك أن قوة من الجند الليونيين يقودها مارتن سانشيز، وهو ابن غير شرعى لملك البرتغال سانشو الثاني، دخل في خدمة ملك ليون، عبرت جبال الشارات، وسارت جنوبا حتى وصلت إلى أراضي الشّرف، وعاثت في تلك المنطقة، واستولت على كثير من الغنائم والسبي، وألفى العادل، وأخوه أبو العلاء، ووزيره ابن يوجان، ومن معهم من أشياخ الموحدين، أنفسهم عاجزين عن دفع النصارى، وحماية المدينة مما قد يصيبها. ووقع الهرج بين أهل المدينة، واجتمع الناس خاصتهم وعامتهم بالمسجد الجامع، وطالبوا العادل وأشياخ الموحدين بجمع الصفوف، والخروج إلى لقاء العدو، فاستنفر العادل الناس، واحتشدت مهم جموع غفيرة، ومعظمهم من غير سلاح، واجتمع من الفرسان نحو مائة، وسارت هذه الجموع إلى حيث نزل النصارى على مقربة من طلياطة (١) وهي تقع غربي إشبيلية على مقربة من لبلة، وكان النصارى في قوة كبيرة حسنة الأهبة والسلاح، فأراد العامة أن يدفعوا قوة الفرسان الصغيرة إلى لقاء العدو، فامتنع قائدها عبد الله بن أبي بكر بن يزيد، وحاول أن يقنع العامة بعبث هذه المحاولة، وبأن التزام الدفاع أفضل وأولى، فتطاولوا عليه وسبوه، فانسحب مع فرسانه. وعندئذ أنقض النصارى على هذه الجموع الهزيلة المفككة من المسلمين، ففتكوا بها وأفنوا الكثير منها قتلا وأسراً، وفر الكثير منهم في مختلف الأنحاء. ويقدر من هلك من المسلمين في الموقعة بعدة آلاف، ويبالغ بعضهم فيقدرها بنحو عشرين ألفاً، ووقعت موقعة طلياطة هذه في شهر جمادى الأولى سنة ٦٢٢ هـ (مايو ١٢٢٤ م) (٢).

ولم يمض شهران على ذلك، حتى وقعت في شرقي الأندلس غزوة نصرانية مماثلة، وهزيمة مماثلة للمسلمين. وذلك أن حكام قونقة ووبذة والأركون ومويا،


(١) وهي بالإسبانية Tejada
(٢) ينفرد صاحب الروض المعطار بما يقدمه إلينا عن هذه الموقعة من تفاصيل وافية (ص ١٢٨ و ١٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>