للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جمعوا قواتهم، وسارت منها حملة غازية بقيادة ألبرو تليس اخترقت وادي شُقر جنوباً حتى أراضي مرسية، فخرج لردهم جند مرسية وأهلها بقيادة أبي على ابن أشرقى، وكانوا على مثل أهل إشبيلية من التفكك والفوضى، فنشبت بينهم وبين النصارى، في مكان يعرف بعفص Aspe يقع شرقي مرسية، معركة شديدة هزم فيها المسلمون هزيمة فادحة، وأسر وقتل منهم فيها الكثير. وكان ذلك في شهر رجب سنة ٦٢٢ هـ (يوليه ١٢٢٤ م)، وفي ذلك يقول شاعر مرسى، مقارنا بين موقعتى عفص وطلياطة:

موقعة عفص وطلياطة ... تكامل إقبال أيامنا

فبالغرب تلك وبالشرق ذي ... أناخا على شم أعلامنا (١)

- ٢ -

في ذلك الحين، كانت بيعات الموحدين بمراكش والمغرب، قد وصلت إلى العادل بإشبيلية، وكان الخليفة عبد الواحد، قد خُلع ولقى مصرعه، وأصبح عرش الخلافة الموحدية خاليا، فرأى العادل أن الوقت قد حان لكي يعبر إلى المغرب، خصوصاً وقد أخذت الحوادث تتجهم في الأندلس، على أثر فشله في التغلب على البياسى، وفي رد النصارى عن أراضي إشبيلية، فندب أخاه أبا العلاء إدريس للنظر على شئون الأندلس، وغادر إشبيلية، وعبر البحر إلى المغرب، وذلك في شهر ذي القعدة سنة ٦٢٢ هـ (أكتوبر سنة ١٢٢٤ م) (٢).

والظاهر أنه لقى في طريقه إلى مراكش صعابا من تعرض العربان وغيرهم إليه. ولما وصل العادل إلى مراكش، واستقر بقصر الخليفة، استوزر أبا زيد


(١) راجع الروض المعطار ص ١٣٦.
(٢) ابن خلدون ج ٦ ص ٢٥٢، والروض المعطار ص ١٢٩. ونحن نرجح الأخذ بهذا التاريخ الذي يقدمه إلينا صاحب الروض المعطار لعودة العادل، ولكن يبدو من أقوال ابن عذارى أن العادل عاد إلى مراكش يوم السبت ٢٠ شعبان سنة ٦٢٢، وهو آخر يوم من حكم عبد الواحد، وأنه دخل عليه القصر في هذا اليوم. وفي اليوم التالي أشهده على نفسه بالخلع، وأن عبد الواحد خنق بعد ثلاثة أيام من خلعه (البيان المغرب ص ٢٤٧ و ٢٤٨) ومعنى ذلك أن العادل هو الذي قام بخلع عبد الواحد ثم أوعز بقتله، ونهب قصره وسبي حريمه. وهذه الرواية التي ينفرد بها ابن عذارى، تبدو في نظرنا ضعيفة بعيدة الاحتمال. وبالعكس فإن الظروف والقرائن الزمنية تحمل كلها على الاعتقاد بأن عودة العادل كانت بعد خلع عبد الواحد ومصرعه. ويستفاد ذلك فضلا عن قول صاحب الروض المعطار، من قول ابن خلكان (ج ٢ ص ٤٣٤)، وصاحب الحلل الموشية (ص ١٢٣) وصاحب روض القرطاس (ص ١٦٣) وكذلك ابن الخطيب في الإحاطة (مخطوط الإسكوريال ١٦٧٤ الغزيرى) لوحة ٥٤ أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>