للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن أبي محمد بن أبي حفص، وأقر عماله سواء بالمغرب أو الأندلس على أعمالهم، وأقر خاصته وحشمه كل في وظائفهم وطبقاتهم.

وقد تقدم نسب العادل، فهو أبو محمد عبد الله بن يعقوب المنصور بن يوسف ابن عبد المؤمن بن علي، وأمه أم ولد نصرانية برتغالية، من سبى شنترين اسمها سر الحسن أسرت فيما يبدو، حين غزوة المنصور الأولى للبرتغال في سنة ٥٨٦ هـ (١١٩٠ م)، وبذلك يمكن أن نضع تاريخ مولد العادل في نحو سنة ٥٨٧ هـ (١١٩١ م) فيكون عمره وقت أن تولى الخلافة، نحواً من أربعة وثلاثين عاما. ولقبه الكامل هو " العادل في أحكام الله تعالى ". وأما عن صفته، فقد كان العادل نحيل القد، أشهل العينين، أقنى الأنف، خفيف العارضين (١). وكان العادل من خيرة بني عبد المؤمن، فاضلا وقوراً، كبير النفس، عالى الهمة، من أهل العلم والمعرفة (٢).

وتولى العادل حكم غرناطة في سنة ٦١٩ هـ، أيام ابن أخيه يوسف المستنصر، ثم نقل باختياره إلى ولاية مرسية. ولما تولى الخلافة عمه أبو محمد عبد الواحد، خرج عليه بمرسية، كما تقدم، ودعا لنفسه بالخلافة، وذلك في يوم ١٣ صفر سنة ٦٢١ هـ، ولم يتخلف عن بيعته بالأندلس سوى السيد أبي زيد والي بلنسية، وأخوه السيد أبو عبد الله صاحب جيّان، وهو العروف بالبياسى. وأما في المغرب فقد تلقى بيعة سائر الموحدين، ما عدا بيعة بني حفص ولاة افريقية، وكان هؤلاء عندئذ يدبرون الخطة لانفصالهم عن الدولة الموحدية، والاستقلال بحكم ما تحت أيديهم. وكان في مقدمة ما فعله العادل، أن وجه إلى قواعد الأندلس، كتابا يؤكد فيه عناية الموحدين بشئون الجزيرة، واجتماع كلمتهم على الجهاد. وقد أورد لنا ابن عذارى من الكتاب المذكور فقرة ننقل منها ما يلي:

" وها هم بحمد الله (أي الموحدين) قد انتظم شملهم، واتصل حبلهم، واجتمعت أهواءهم، واتفقت على إعزاز الحق آراؤهم، وحلوا بدار الموحدين، ومطلع الخلفاء الراشدين المهتدين، حيث الجموع وافرة. والأعداد متكاثرة، وطائفة الحق متعاضدة متظاهرة، وذلك حلول استدعاء واستنفار، لا حلول إقامة واستقرار، عازمين على الجهاد، والله تعالى ممضى عزائمهم، ويجبرهم


(١) روض القرطاس ص ١٦٣.
(٢) ابن الخطيب الإحاطة (مخطوط الإسكوريال المشار إليه) لوحة ٥٤ أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>