للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيضاً على " فقال القاضي: " وجب عليهم القتل أجمعين " وتلا الآية: " ومن نكث فإنما ينكث على نفسه " فأمر المأمون بإعدامهم جميعاً، وكانوا نحو مائة من أعيان الموحدين، ودفنوا على الأثر في حفرة كبيرة حفرت لهم خارج باب السادة، ثم تتبع من بقى منهم بمراكش، حتى فنى معظمهم، وتضاءلت بذلك مشيخة الموحدين، وضعف نفوذها القوي، الذي لبث، منذ أيام المهدي، يأخذ بأكابر نصيب في توجيه مصاير الدولة الموحدية (١).

وفي شهر رمضان من هذا العام (٦٢٧ هـ) خرج المأمون من مراكش ليرد هجوماً جديداً كان يدبره يحيى بن الناصر وأنصاره من الموحدين. فالتقى الفريقان بفحص واونزرت، فوقعت الهزيمة للمرة الثانية على يحيى وأصحابه، وقتل منهم عدد ضخم، وفر يحيى في فلوله إلى بلاد درعة وسجلماسة، وعلق المأمون من رؤوسهم على أسوار مراكش نحو أربعة آلاف، وكان الوقت قيظاً، فانتشرت روائحها الكريهة في المدينة، وضج الناس من ذلك، ورفع الأمر إلى المأمون، فكان جوابه أنه يوجد ثمة مجانين، وتلك الرؤوس لهم أحراز لا يصلح حالهم إلا بها، وإنها لعطرة عند المحبين، كريهة عند المبغضين (٢).

وكان المأمون يجيش بأفكار ومشاريع عظيمة، نحو تجديد الدولة الموحدية، وتجديد رسومها وتعاليمها، بعد أن أضحت في نظره عتيقة بالية. وقد تذرع في تنفيذ خطته بمنتهى الشجاعة والجرأة، وقد كان المأمون في الواقع شجاعاً صارماً، مضطرم النفس، فأصدر مرسومه إلى سائر بلاده بإزالة اسم المهدي من الخطبة ومن السكة، ومحو اسمه من المخاطبات، وقطع النداء عند الصلاة بالنداءات البربرية مثل " تاصليت الإسلام " " وسودود " و " ناردي " " وأصبح ولله الحمد " وغير ذلك مما كان العمل جارياً عليه منذ بداية الدولة الموحدية. وأذاع في كتابه الرسمى، الذي أنشأه بنفسه، أن وصف ابن تومرت بالمهدي وبالإمام المعصوم " إنما هو نفاق وبدعة وأمر باطل، وأنه يجب نبذه والقضاء عليه ". وقد أورد لنا ابن عذارى نص هذا الكتاب الشهير، الذي يعتبر صدوره حدثاً حاسما في تاريخ العقيدة الموحدية، ونحن ننقله هنا لبالغ أهميته:

" من عبد الله إدريس أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين بن أمير المؤمنين،


(١) البيان المغرب ص ٢٦٥، وروض القرطاس ص ١٦٨، والإحاطة ج ١ ص ٤١٩.
(٢) البيان المغرب ص ٢٧١، وروض القرطاس ص ١٦٨.،،،،،،

<<  <  ج: ص:  >  >>