إلى الطلبة والأعيان والكافة، ومن معهم من المؤمنين والمسلمين، أوزعهم الله شكر أنعمه الجسام، ولا أعدمهم طلاقة أوجه الأيام الوسام، وإنا كتبناه إليكم، كتب الله لكم عملا منقاداً، وسعداً وقاداً، وخاطراً سليما، لا يزال على الطاعة قائماً مقيما، من مراكش كلأها الله تعالى، وللحق لسان ساطع، وحسام قاطع، وقضاء لا يرد، وباب لا يسد، وظلال على الآفاق لمحو النفاق بعد، والذى نوصيكم به تقوى الله والاستعانة به، والتوكل عليه، ولتعلموا أنا نبذنا الباطل، وأظهرنا الحق، وأن لا مهدى إلا عيسى بن مريم، وما سمى مهدياً إلا أنه تكلم في المهد، وتلك بدعة قد أزلناها، والله يعيننا على القلادة التي تقلدناها. وقد أزلنا لفظة العصمة عمن لا تثبت له عصمة، فلذلك أزلنا عنه رسمه، فتسقط وتبيت، وتمحى ولا تثبت. وقد كان سيدنا المنصور، رضي الله عنه، هم أن يصدع بما به الآن صدعنا، وأن يرقع للأمة الخرق الذي رقعنا، فلم يساعده لذلك أمله، ولا أجّله إليه أجله، فقدم على ربه بصدق نية، وخالص طوية، وإذا كانت العصمة لم تثبت عند العلماء للصحابة، فما الظن بمن لم يدر بأي يد يأخذ كتابه، أف لهم قد ضلوا وأضلوا، ولذلك ولوا وذلوا، ما تكون لهم الحجة على تلك المحجة، اللهم اشهد، اللهم اشهد أنا قد تبرأنا منهم تبرأ أهل الجنة من أهل النار، ونعوذ بك يا جبار من فعلهم الرثيث، وأمرهم الخبيث، إنهم في المعتقد من الكفار، وإنا فيهم كما قال نبيكم عليه السلام " رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا " والسلام على من اتبع الهدى واستقام " (١).
وفي رواية أخرى هي رواية صاحب روض القرطاس، أن المأمون بعد أن دخل مراكش وبايعه الموحدون، صعد إلى المنبر بجامع المنصور، وخطب الناس، ولعن المهدي، وقال أيها الناس لا تدعوه بالمعصوم، وادعوه بالغوى المذموم، إنه لا مهدى إلا عيسى، وإنا قد نبذنا أمره النحيس به، ثم أصدر مرسومه المتقدم، بإزالة اسم المهدي من الخطبة والسكة، وأن كل ما فعله المهدي، وتابعه أسلافنا فهو بدعة، ولا سبيل لإبقاء البدع. ثم دخل قصره فاحتجب ثلاثة أيام، ثم خرج في اليوم الرابع، فاستدعى أشياخ الموحدين بين يديه،
(١) البيان المغرب - القسم الثالث ص ٢٦٧ و ٢٦٨، وابن الخطيب في الإحاطة (١٩٥٦) ص ٤١٩، و ٤٢٠.،،،،،،