للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعاتبهم على نقض عهودهم، ثم أمر بإعدامهم حسبما تقدم (١). بيد أنه يبدو من المرجح أن المأمون، قد عمد أولا إلى التخلص من خصومه من أشياخ الموحدين، ثم أقدم على تنفيذ خطته في إزالة رسوم المهدي وتعاليمه.

ولا ريب أن عمل المأمون كان أعظم انقلاب ثورى حدث في أصول العقيدة الموحدية على يد بني عبد المؤمن، وقد أصاب الصميم من أسس هذه العقيدة وتعاليمها، وقضى بصورة رسمية قاطعة، ببطلان أحداث الأسطورة التي مثلت في جبل إيجليز قبل ذلك بمائة واثنتى عشرة عاما، وأعلن فيها محمد بن تومرت أنه المهدي المنتظر، والإمام المعصوم.

ونحن نعرف أن الخليفة يعقوب المنصور، كانت تساوره نحو المهدي مثل هذه الأفكار، وأنه لم يكن من الغلاة في تصوير إمامته ومهديته، ولم يكن بالأخص من المؤمنين بعصمته، فكان عمل المأمون في الواقع، وحسبما يشير إليه كتابه، تنفيذاً لما كان يجيش به والده المنصور، ولم يكن يجرأ في وقته على المجاهرة به، أو الإقدام على تنفيذه.

والظاهر أن عمل المأمون في إزالة رسوم المهدي وتعاليمه، لم يكن له كبير صدى، ولم يترتب عليه أية معارضة أو بوادر انتقاض، وبالعكس فقد أشاد الشعراء بتصرفه، وأزجوا إليه مدائحهم في قصائد عديدة، يورد لنا ابن عذارى بعضها (٢).

وأذن المأمون في نفس الوقت لحلفائه النصارى القادمين معه، في بناء الكنيسة بمراكش، وهي التي اشترط ملك قشتالة إنشاءها، وأخذت النواقيس منذ إتمامها، تدق لأول مرة في العاصمة الموحدية (٣).

- ١ -

وكان من أعظم الحوادث الحاسمة في عصر المأمون، إلى جانب محو أصول العقيدة الموحدية، انفصال إفريقية عن الدولة الموحدية، وقيامها دولة مستقلة تحت سلطان بني حفص. ونحن نعرف أنه لما تفاقم أمر يحيى بن إسحاق بن غانية


(١) روض القرطاس ص ١٦٧ و ١٦٨.
(٢) البيان المغرب - القسم الثالث ص ٢٦٨ و ٢٦٩.
(٣) ابن خلدون ج ٦ ص ٢٥٣.،،،،،،

<<  <  ج: ص:  >  >>