الميورقي في إفريقية، واشتد عيثه بها، واستولى على معظم قواعدها، ثم استولى على تونس ذاتها، وكاد سلطان الموحدين يمحى في ذلك الركن من إمبراطوريتهم الشاسعة، سار إليه الخليفة الناصر لدين الله في الجيوش الموحدية، ولبثت هذه الجيوش تطارده من مكان إلى مكان، حتى ضربته ضربتها الحاسمة في موقعة جبل رأس تاجرا في سنة ٦٠٢ هـ، وانتزعت منه قواعد إفريقية واحدة بعد أخرى، ورأى الناصر تأميناً لإفريقية، وتوطيداً لسلطان الموحدين بها، أن يسند ولايتها إلى الشيخ أبي محمد عبد الواحد بن أبي حفص عمر الهنتاتى، وهو الظافر في معركة رأس تاجرا، وكان الشيخ أبو محمد يومئذ عميد أشياخ الموحدين وأشدهم نفوذاً لدى الخليفة، وكان فوق ذلك صهر الخليفة متزوجاً بأخته ابنة الخليفة المنصور، فقبل الشيخ الولاية، على كره منه، واشترط لتقلدها شروطاً تكفل له الاستقلال التام برأيه وتصرفاته، وأبدى الشيخ في ولايته منتهى الحصافة والحزم، ووقف بالمرصاد للميورقى، وقضى على كل محاولاته، ومحاولات حلفائه من طوائف العرب، وغيرهم من المغامرين المفسدين، وحقق لإفريقية عهداً من الاستقرار والطمأنينة والرخاء لم تعرفه منذ بعيد.
ولما توفي الخليفة الناصر، بعد موقعة العقاب المشئومة بقليل، في اليوم العاشر من شعبان سنة ٦١٠ هـ، وخلفه ولده يوسف المستنصر، وبادر أشياخ الموحدين من سائر الأنحاء إلى بيعته، تمهل الشيخ أبو محمد في تقديم بيعته بعض الوقت، وأحيط تصرفه يومئذ بمختلف التعليقات، ولكنه انتهى بسعى الوزير ابن جامع إلى تقديم البيعة المنشودة. ولكن حدث حينما قام الخليفة المستنصر بتعيين عمال النواحي، أن ندب عمه السيد أبا العلاء الكبير إدريس بن يوسف بن عبد المؤمن ليكون أميراً على تونس، وليستقر بقصبتها، ليعنى بتدبير شئونها، والسهر منها على حركات الميورقي، إلى جانب الشيخ أبي محمد عبد الواحد، وأن يبقى الشيخ على ما هو من تقلد أعمال ولايته، ولم يك ثمة شك في أن هذا التعيين لم يكن محلا لرضى الشيخ، وأنه رأى فيه مضايقة له، وافتئاتا على حقوقه وسلطانه (١).
وهناك قول آخر بأن تعيين السيد أبي العلاء لإمارة تونس لولاية إفريقية، لم يقع إلا بعد وفاة الشيخ أبي محمد ببضعة أشهر، في أواخر سنة ٦١٨ هـ، وأنه عين خلفاً للشيخ. ومما يعزز هذا القول، هو أن السيد أبا العلاء ما كاد يتولى
(١) البيان المغرب - القسم الثالث ص ٢٧٣ و ٢٧٤.،،،،،،