للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منصبه، حتى أمر بالقبض على كاتب الشيخ، محمد بن أحمد بن النجيل، وأخويه أبي بكر ويحيى، واستصفاء أموالهم، وذلك بتهمة تآمرهم على سلامة الدولة، ثم أمر بعد ذلك بإعدام ابن النجيل وأخيه يحيى (١).

وتوفي الشيخ أبو محمد عبد الواحد بتونس في مستهل شهر محرم سنة ٦١٨ هـ (٨ مارس سنة ١٢٢٠ م)، بعد أن لبث نيفاً وأربعة عشر عاما يضطلع بأعباء منصبه الشاقة، وكان الشيخ بلا ريب أقدر الحكام الذين ولوا حكم إفريقية، وأمضاهم عزماً، وأوفرهم شجاعة وجرأة، وكان لعزمه وشجاعته أكبر الأثر في تحطيم ثورة بني غانية، وإنقاذ سلطان الموحدين بإفريقية، وحماية جناح الدولة الموحدية الشمالي الشرقي من الانهيار مدى حين.

وهنا تختلف الرواية مرة أخرى في أمر من ولى حكم إفريقية عقب وفاة الشيخ، فيقول لنا ابن عذارى متفقاً مع روايته الأولى، إن ابنه أبا محمد عبد الله هو الذي خلفه في منصبه، وذلك تحت إشراف السيد أبي العلاء إدريس (٢)، وهناك قول آخر، يتمشى مع الرواية الثانية، وهو أن الذي خلفه في منصبه هو السيد أبو العلاء إدريس، معيناً من قبل الخليفة يوسف المستنصر. وعلى أي حال فإن وفاة الشيخ أبي محمد عبد الواحد، قد تمخضت عن نتيجتين في منتهى الأهمية، الأولى تحرك ابن غانية من جديد، والثانية تحول مجرى الحكم في إفريقية.

- ٢ -

وذلك أن يحيى بن إسحاق بن غانية، ما كاد يعلم بوفاة خصمه العتيد، الشيخ أبي محمد، حتى تنفس الصعداء، وأخذ في التحرك من منفاه السحيق في الصحراء، وكان قد لزم ودّان وأحوازها، منذ هزائمه الفادحة على يد الشيخ أبي محمد، ولبث هناك زهاء تسعة أعوام يرقب الفرص، فلما لاحت الفرصة بوفاة الشيخ، سار في الصحراء نحو الشمال، وعاث في بلاد الجريد، فنهض السيد أبو العلاء في جيش من الموحدين، وسار إلى قابس، ونزل بها بقصر العروسين، حتى لا تسقط في يد الثائر، وبعث ولده السيد أبا زيد في قوة إلى درج وغدامس، وبعث قوة أخرى، إلى ودان لرد ابن غانية، ومحاصرته. ولكن العرب من أنصار


(١) ابن خلدون ج ٦ ص ١٩٦، وكذلك: A. Bel: Les Benou Ghania, p. ١٦٤
(٢) البيان المغرب ص ٢٧٤.،،،،،،

<<  <  ج: ص:  >  >>