للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليمهد لاستقباله. ثم سار إلى تونس، ودخلها في اليوم السابع عشر من ذي القعدة سنة ٦٢٣ هـ (نوفمبر سنة ١٢٢٥ م) في مواكب حافلة، واستقر في منصبه دون منازع، وندب الشيخ أبو محمد عبد الله، أخاه الأمير أبا زكريا يحيى لحكم قابس والحمة، وأخاه الأمير أبا ابراهيم لحكم توزر ونفطة، وسائر بلاد قسطيلة (١)، وتمكن بذلك سلطان بني حفص بإفريقية. وكانت سيرة الشيخ أبي محمد، وحكمة العادل، وسياسته اللينة الرفيقة، مما يسبغ على أسرته وبنيه من بعده، حسن الذكرى ويحبوها بالمحبة والولاء من سائر الناس.

وفي تلك الأثناء، كان يحيى بن غانية، وهو في مثواه بالصحراء، يجد في تحصيل الأموال، وحشد الرجال، ويرقب الفرصة للقيام بضربة جديدة، وفي أواخر سنة ٦٢٣ هـ، سار نحو الشمال في اتجاه منطقة قسنطينة، ثم اجتازها بسرعة، واقتحم بجاية، ثم غادرها لوقته صوب تدلس، وهو يعيث قتلا ونهباً أينما حل، ثم اتجه نحو الغرب، وغزا متيجة، وتوغل في منازل زناتة، واكتسح أحياءها، وانتهب ثرواتها، وحاول شيخ مغراوة، عبد الرحمن بن منديل، وهو من أولياء الموحدين، أن يقف في سبيله، فهزمه ابن غانية وأسره ثم قتله، ثم اتجه ابن غانية بعد ذلك شمالا واقتحم مليانة، ثم استولى على الجزائر وصلب جثة ابن منديل على سورها. وخرج الشيخ أبو محمد عبد الله من تونس على عجل لمطاردة ابن غانية، ووضع حد لعيثه، وذلك في أواسط سنة ٦٢٤ هـ، فسار أولا إلى أبة، وهاجم منازل هوّارة، وكانت ضالعة مع ابن غانية، وقبض على زعمائها وأرسلهم مصفدين إلى المهدية. ثم سار في أثر ابن غانية، ودخل بجاية، وأصلح شئونها، وقصد بعد ذلك إلى مليانة، وكان ابن غانية في تلك الأثناء، قد غادر الجزائر بعد اقتحامها، وسار نحو الجنوب الغربي، واستمر في مسيره حتى وصل إلى أحواز سجلماسة، فترك الشيخ أبو محمد مطاردته، وعاد إلى تونس، وذلك في شهر رمضان سنة ٦٢٤ هـ (٢).

ومن ذلك الحين، تغيض أخبار يحيى بن اسحاق بن غانية. وكان إلى ذلك الحين، قد قطع أربعين عاما في متابعة ذلك الصراع المرير، الذي بدأه أخوه علىّ ضد الموحدين، في إفريقية، والذى اتُخذت إفريقية، لموقعها من الجزائر


(١) الزركشي في تاريخ الدولتين ص ١٥، والبيان المغرب ص ٢٧٤.
(٢) ابن خلدون ج ٦ ص ١٩٧، وكذلك: A. Bel: ibid ; p. ١٧٤،،،،،،

<<  <  ج: ص:  >  >>