الذي استطال خمسين عاما، أية نتائج مادية، وأن علم الدولة المرابطية الذي حاول أن يرفعه سوف يخبو بوفاته إلى الأبد. ثم كانت الخاتمة النهائية، وتوفي يحيى بن اسحاق بن غانية، وهو في محلته على ضفاف نهر شليف على مقربة من مليانة، وذلك في سنة ٦٣١ هـ أو سنة ٦٣٣ هـ (١٢٣٤ م) ودفن هنالك، ثم عفى أثر مدفنه. قال ابن خلدون معلقا على موته:" وانفض أمر الملثمين من مسّوفة ولمتونة من جميع بلاد إفريقية، والمغرب والأندلس، بمهلكه، وذهب ملك صنهاجة، من الأرض، بذهاب ملكه وانقطاع أمره ". وقيل إن يحيى بعث قبيل وفاته ببناته إلى الأمير أبي زكريا ليعشن في كنفه، فأكبر الأمير الحفصى حسن ظنه، وأحسن كفالتهن، وابتنى لصونهن داراً خاصة بحضرة تونس، عرفت بقصر البنات، وأقمن بها في عيش رغد، محروسات مشمولات بأقصى رعاية، حتى توفين عانسات معمرات، ولم يقبلن الزواج من أحد (١).
- ٣ -
وهنا نعطف على ذكر الحدث الثاني الذي ترتب على وفاة الشيخ أبي محمد عبد الواحد بن أبي حفص والي افريقية، وذلك في مستهل شهر المحرم سنة ٦١٨ هـ. وقد رأينا فيما تقدم أن الذي خلف الشيخ أبا محمد في ولاية إفريقية، هو ولده أبو محمد عبد الله، وذلك على خلاف في تاريخ هذه الولاية وكيفية نوعها، مما سبق لنا تفصيله، وعلى أي فقد كان أبو محمد عبد الله قائماً في ولاية إفريقية، مذ حَلّ بتونس في شهر ذي الحجة سنة ٦٢٣ هـ، وكان الذي قلده ولايتها وفقاً لذلك، هو الخليفة العادل.
ولم تمض عدة أشهر على ذلك، حتى وقع مصرع الخليفة العادل، بعد مصرع سلفه الخليفة أبي محمد عبد الواحد، وجلوس الخليفة الفتى يحيى المعتصم على كرسى الخلافة مكانه في شوال سنة ٦٢٤. ثم تفاقم اضطراب أمر الخلافة الموحدية، وقيام السيد أبي العلي بن المنصور بالأندلس، والدعوة لنفسه باسم المأمون، وجوازه إلى العدوة، واستيلائه على كرسى الخلافة من يد ابن أخيه يحيى المعتصم، وقتله لأشياخ الموحدين، وذلك في أوائل سنة ٦٢٦ هـ. وقد كان لذلك كله أعمق وقع في إفريقية. ولما بعث المأمون إلى أبي محمد عبد الله والي إفريقية ليأخذ له البيعة،
(١) نقلنا هذه التفاصيل الأخيرة عن وفاة يحيى وبناته عن ابن خلدون ج ٦ ص ١٩٧، وكذلك: A. Bel: ibid ; p. ١٨٦.،،،،،،