توقف عن عقدها، فكتب المأمون عندئذ إلى أبي زكريا يحيى أخي السيد أبي محمد، وكان يومئذ حاكماً لقابس، بالولاية على إفريقية، وعزل أخيه السيد أبي محمد، فبادر أبو زكريا بعقد البيعة للمأمون، ووقعت الوحشة بذلك بين الأخوين.
ذلك أنه لما علم أبو محمد عبد الله، بما كان من أخيه أبي زكريا، خرج في عسكره من تونس، فلما وصل إلى القيروان جمع أشياخ الموحدين ونبأهم بما اعتزم من قتال أخيه، فأنكر الأشياخ عليه ذلك، واعتذروا إليه عن تنفيذ فكرته، وذلك لمحبتهم للأمير أبي زكريا وتقدير صفاته، فأصر أبو محمد على رأيه ونهرهم، فأغلظوا له القول، وكادوا يعتدون عليه. وبعث الأشياخ إلى أبي زكريا ينبئونه بما حدث، ويستدعونه إليهم، فقدم أبو زكريا على الأثر، وتسلم قيادة العسكر، وأمر بالقبض على أخيه أبي محمد، وحمل محروساً إلى تونس، وهناك اعتقل حيناً بقصر ابن فاخر. ودخل الأمير أبو زكريا تونس في اليوم الرابع والعشرين من رجب سنة ٦٢٥ هـ، وأمر في الحال بالقبض على أبي عمر كاتب أخيه، فقبض عليه وعذب وقتل، ثم بعث بأخيه أبي محمد إلى المغرب عن طريق البحر. وتولى أبو زكريا حكم إفريقية باسم الخليفة المأمون. ولكن لم يمض قليل على ذلك حتى بعث المأمون من قبله بعض عمال (حكام) إلى تونس، فثار لذلك أبو زكريا، وصرفهم، وخلع طاعة المأمون، وأمر بالخطبة ليحيى المعتصم. وكانت هذه أول خطوة في استقلال إفريقية (١).
بيد أن ابن عذارى يقدم إلينا عن نزاع الأخوين، واستيلاء أبي زكريا على الحكم، رواية أخرى، خلاصتها أنه لما تفاقم اضطراب الأحوال في البلاط الموحدي، وتوالى فشل أشياخ الموحدين، جمع الأمير أبو زكريا أشياخ الموحدين بتونس، وشرح لهم الأحوال، وفاوض أخاه أبا محمد عبد الله في وجوب خلع طاعة الخلافة المؤمنية، والاستقلال بالحكم، فأبى عبد الله كل الإباء، واعتقل أخاه أبا زكريا بداره، ففر أبو زكريا من معتقله، وسار إلى قابس، وهنالك تفاوض مع شيخها ابن يكى، فوافقه على مشروعه، ثم خاطبه الموحدون من تونس، باجتماع كلمتهم على اختياره، واتفقوا معه على التنفيذ، متى خرج أخوه عبد الله برسم الحركة إلى القيروان. فلما خرج عبد الله بقواته، ونزل بظاهر تونس، طالبه الجند ببركاتهم، فتلكأ في الإجابة، وكان أبو زكريا قد قدم في صحبه، ونزل على مقربة من محلة أخيه، فبادر الجند إلى خباء أخيه، ورموه بالحجارة حتى