للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كاد يهلك، ففر أمامهم، وعفّ الجند عن قتله إكراماً لأخيه، وقصد عبد الله إلى مراكش، وفي الحال جلس الأمير أبو زكريا مجلس الأمراء، وبايعه أشياخ الموحدين، ثم دخل تونس وبويع بها بيعة الخلفاء، واختار وزراءه وكتابه. وأبقى أبو زكريا في البداية ذكر الإمام المهدي في الخطبة وغيرها من المراسيم (١).

وتمت هذه الخطوة الأولى في استقلال إفريقية في أول سنة ٦٢٧ هـ (نوفمبر ١٢٢٩ م) وأعلن أبو زكريا يحيى خلع طاعة بني عبد المؤمن، وتسمى أولا بالأمير وجعل ذلك اللقب في صدركتبه. ولما كانت قسنطينة وبجاية، مازالتا بيد الحكام الموحدين، وكان أبو زكريا، يرمى إلى تحقيق استقلال إفريقية بسائر جهاتها وأراضيها، فقد بادر في العام التالي (٦٢٨ هـ) بالزحف على قسنطينة، وحاصرها أياما، وانتهى الأمر بأن مُكن من دخولها، فدخلها وقبض على واليها الموحدي، وولي عليها عاملا من قبله، ثم سار إلى بجاية فافتتحها، وقبض على واليها الموحدي أبي زكريا عمران، وبعث بالواليين المقبوض عليهما إلى المهدية، وبعث بأهلهما وأولادهما في البحر إلى الأندلس، وقبض كذلك على عدة من أشياخ الموحدين والعرب الموالين لهم، وأرسلهم أيضاً إلى المهدية، فزجوا إلى مطبقها، واستكملت بذلك سيادة بني حفص على سائر رقعة الوطن الإفريقى. وصحب الأمير أبا زكريا أخوه أبو عبد الله اللحيانى، وكان متولياً أشغال بجاية. أما أخوه أبو محمد عبد الله والي إفريقية السابق، فقد لقى مصرعه بمراكش، وكان قد لجأ إليها.

وفي يوم الجمعة السابع من صفر سنة ٦٣٣ هـ دعى في الخطبة للأمير أبي زكريا بعد ذكر الإمام، وبويع للمرة الثانية بيعة تامة شاملة، لم يتخلف فيها أحد، ولكنه استمر مقتصراً على لقب الأمير، ولم يتسم بأمير المؤمنين (٢).

وهكذا قامت بإفريقية، بأحد أقاليم الدولة الموحدية الكبرى، دولة جديدة، هي الدولة الحفصية، نسبة للأسرة التي أنشأتها وحكمتها، وهم بنو حفص، أبناء الشيخ أبي محمد عبد الواحد بن أبي حفص عمر بن يحيى الهنتاتى، وقد كان أبو حفص عمر بن يحيى من أصحاب المهدي العشرة، وكان زعيم هنتاتة أقوى قبائل مصمودة، وهو الذي مهد لخلافة عبد المؤمن عقب وفاة المهدي، وكان له أعظم شأن وأقوى نفوذ لدى الخلافة الموحدية، وكانت وفاته بعد حياة حافلة بجلائل الأمور في سنة


(١) البيان المغرب القسم الثالث ص ٢٧٤، ٢٧٦، والإحاطة (١٩٥٦) ج ١ ص ٣٢٠ و ٣٢١.
(٢) الزركشي في تاريخ الدولتين ص ١٨، والبيان المغرب ص ٢٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>