للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥٧١ هـ (١)، وكان لولده الشيخ أبي محمد عبد الواحد، وهو أحد أبناء عدة تولوا جميعاً رفيع المناصب بالمغرب والأندلس، مثل مقامه ونفوذه لدى البلاط الموحدي، وكان يعتبركبير أشياخ الموحدين، وقد رأينا ما كان من إخماده لحركة ابن غانية، بعد أن كادت تقضى على سيادة الموحدين بإفريقية، ومما كان من اضطلاعه بولاية إفريقية، في أحرج الظروف وأدقها، وما وفق إليه بعزمه وحزمه وقوة نفسه، من إنقاذها من عيث ابن غانية وحلفائه العرب، ومن توطيد أمنها وسلامها. وقد كان انفصال إفريقية واستقلالها على هذا النحو، ضربة جديدة للدولة الموحدية. وكان عاملا جديداً في إضعاف قواها ومواردها. بيد أنه لم يحدث كبير صدى في مراكش. وكان البلاط الموحدي في هذا الوقت ذاته مشغولا، بما يدور حول كرسى الخلافة، من حروب ومنافسات، وما يقوم به بنو مرين من استطالة، وعيث مستمر، في أطراف المغرب، وما يضطرم من ثورات محلية في بعض القواعد الهامة مثل مكناسة وسبتة، ولم تكن لديه أية قوة أو وسيلة يستطيع أن يحاول بها الوقوف في سبيل هذا الحدث المحتوم.

- ٤ -

تركنا أخبار الخليفة المأمون، وقد هزم منافسه وابن أخيه يحيى المعتصم مرة أخرى، بفحص واونزرت على مقربة من مراكش، في شهر رمضان سنة ٦٢٧ هـ، ثم أصدر مرسومه بعد ذلك بمحو اسم المهدي ابن تومرت ورسومه. وفي العام التالي، سنة ٦٢٨ هـ، وجّه المأمون كتبه إلى سائر بلاد الموحدين بالمغرب، والأندلس، يدعو فيها إلى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والحض على إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة والصدقات، والنهى عن شرب الخمر والمسكرات، والتحريض على الدعاية. وقد أورد لنا ابن الخطيب فصولا من كتابه المشار إليه ننقل منها الفقرة الآتية: " وإذا كنا نوفى الأمة تمهيد دنياها، ونعنى بحماية أقصاها وأدناها، فالدين أهم وأولى، والتهمم بإقامة الشريعة وإحياء شعائرها، أحق أن يقدم وأحرى وعلينا أن نأخذ بحسب ما يأمر به الشرع وندع، ونتتبع السنن المشروعة، ونذر البدع. ولنا أن لا ندخر عنها نصيحة، ولا نغبنها أداة من الأدوات مريحة، ولنا عليها أن تطيع وتسمع " (٢).


(١) ابن خلدون ج ٦ ص ٢٧٥، وابن الخطيب في الإحاطة ج ١ ص ٣٢١.
(٢) الإحاطة (١٩٥٦) ج ١ ص ٤٢١، و ٤٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>