للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منصبه، واختار الناس مكانه السيد أبا الفضل جعفر بن السيد أبي سعيد، وكان أهل مراكش قد ترامى إليهم ما أعلنه المأمون قبل وفاته، من أنه سوف يبيح المدينة للنصارى، انتقاماً من أهلها، لما أبدوه من استسلامهم ليحيى، وتمكينه من دخولها، ومن ثم فإنهم لما رأوا مقدم جيش المأمون، ازدحموا فوق الأسوار، واستعدوا للدفاع، فعندئذ أصدر الرشيد لأهل المدينة ظهيراً بتأمينهم والعفو عنهم جميعاً، وعمن كان معهم من الموحدين، ورفع المغارم عنهم، وضمن ظهيره كثيراً من الوعود الطيبة، وحمل هذا الظهير القاضي أبو محمد عبد الحق، ومعه جملة من الناس، واقتربوا من السور من جهة باب السادة. وأعلن للناس وفاة المأمون وولاية ابنه الرشيد، وهزيمة يحيى، وعرفهم بما يتضمنه الظهير من تأمينهم والإنعام عليهم، فاطمأن الناس وسكنت نفوسهم، وأذنوا له ولرفاقه بالدخول إلى المدينة، ثم سار معه واليها السيد أبو الفضل والوجوه إلى القصر الخليفى، وقرئ الظهير على الكافة، فعم البشر والاطمئنان، وكتب الأشياخ والوجوه إلى الخليفة بالسمع والطاعة، وعاد القاضي وأصحابه ومعهم وفد من الكبراء للسلام على الخليفة واستقباله. وكانت حبابة أم الخليفة قد تفاهمت مع القواد النصارى، ودفعت لهم مقابل فيىء المدينة التي وُعدوا باستباحتها، وافتدائها من الاعتداء والنهب، مبالغ طائلة، ويقال إن الرشيد دفع لهم مقابل ذلك خمسمائة ألف دينار (١)، وهكذا أنقذ الموقف، ومهد كل شىء لدخول الخليفة الفتى إلى حاضرته.

- ٥ -

بيد أنه يجدر بنا قبل أن نبدأ الكلام عن خلافة الرشيد، أن نذكر كلمة عن عن الخليفة المأمون، وعن صفاته وخلاله.

كان أبو العُلى (أو أبو العلاء) من أنبه الخلفاء الموحدين وأقدرهم، وكان يتسم بكثير من صفات أبيه العظيم الخليفة يعقوب المنصور، ولو أتاح له القدر فسحة من الوقت، فربما كان من المرجح أن يعمل الكثير لإنقاذ الدولة الموحدية من محنتها، ولتأخير انحلالها وسقوطها، ولكنه أنفق أعوام خلافته الخمسة في منازعات وحروب متوالية، لم يفق منها حتى أدركه الموت. وكانت سقطته الجوهرية، هي التجاؤه إلى النصارى لتحقيق مشروعه في انتزاع الخلافة. ولكنها


(١) البيان المغرب ص ٢٨٤ و ٢٨٥، وروض القرطاس ص ١٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>