كانت سقطة العصر وظروفه المؤلمة، وقد تردى فيها من قبله ومن بعده كثير من زعماء الأندلس.
وكان مولد المأمون بمدينة مالقة سنة ٥٨١ هـ (١١٨٥ م)، وأمه حرة هي صفية ابنة أمير الشرق محمد بن سعد بن مردنيش، وكان المأمون صنو أبيه المنصور في صفاته العلمية. فقد كان فقيهاً حافظاً، ضابطاً للرواية، متمكناً من علوم الدين، إماماً في اللغة، أديباً واسع المعرفة بالأدب والسير، كاتباً بليغاً، متين البيان، وشاعراً محسناً، وكان يعنى عناية خاصة بتدريس كتاب البخاري، وكتاب الموطأ، وسنن أبي داود. وكان فوق ذلك حاكماً مقتدراً، بارعاً في الإدارة ومعالجة الشئون، ذكياً وافر الهمة والعزم. ويجمل ابن الخطيب صفاته في قوله:" كان رحمه الله شهماً، شجاعاً جريئاً، بعيد الهمة، نافذ العزيمة، قوي الشكيمة، لبيباً، كاتباً أديباً، فصيحاً، بليغاً، أبياً، جواداً، حازماً "(١). بيد أنه كان في نفس الوقت صارماً، سفاكاً للدماء. وقد رأينا كيف أسرف في استباحة دماء خصومه وقضى عليهم جميعاً.
وكان المأمون كاتباً جزلا، يشغف بتسطير كتبه بنفسه، بالرغم من وجود عدة من أئمة البلاغة بين كتابه. وقد نقل إلينا ابن عذارى وابن الخطيب كتابه، الذي كتبه بخطه إلى أهل أندوجر بالأندلس، وفيه ينحى باللائمة عليهم، ويتوعدهم يالنكال لجنوحهم إلى الاستسلام للنصارى، وهو ينطق بروعة أسلوبه، وإليك بعض ما جاء فيه:
" إلى الجماعة والكافة من أهل .. ، وقاهم الله عثرات الألسنة، وأرشدهم إلى محو السيئة بالحسنة. أما بعد فقد وصل من قبلكم كتابكم الذي جرد لكم أسهم الانتقاد، ورماكم من السهاد، بالداهية الساد، أتعتذرون من المحال، بضعف الحال، وقلة الرجال، إذاً نلحقكم بربات الحجال، كأنا لا نعرف مناحى أقوالكم، وسوء منقلبكم وأحوالكم، لا جرم أنكم سمعتم بالعدو قصمه الله، وقصده إلى ذلك الموضع عصمه الله، فطاشت قلوبكم خوراً، وعاد صفوكم كدراً، وشممتم ريح الموت ورداً وصدراً، وظننتم أنكم أحيط بكم من كل جانب، وأن الفضاء قد غص بالتفاف القنا، واصطفاف المناكب، ورأيتم غير شىء، فتخيلتموه طلائع الكتائب، تباً لهمتكم المنحطة، وشيمتكم الراضية بأدون خطة. أحين