للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألفونسو ريمونديس. ولما اضطرمت الأندلس بالثورة ضد المرابطين، عمد سيف الدولة إلى خوض غمارها، أولا في القواعد الوسطى في جيّان، وقرطبة وغرناطة، ثم في شرقي الأندلس، في بلنسية ومرسية، وانتهى الأمر إلى أن قتل في معركة البسيط، في شهر شعبان سنة ٥٤٠ هـ (فبراير سنة ١١٤٦ م) (١). ولم يرد من ذلك التاريخ ذكر لبني هود في حوادث الأندلس، حتى قيام محمد بن يوسف ابن هود، هذا المتقدم الذكر. وأما نسبته فهى وفقاً لقوله، أنه محمد بن يوسف ابن محمد بن عبد العليم بن أحمد المستنصر، فهو بذلك ثانى حفيد لولد سيف الدولة المتقدم ذكره.

وكان ظهور محمد بن يوسف بن هود، في نفس المنطقة التي كانت قبل ثمانين عاما مسرحاً لظهور جده سيف الدولة، أعني في شرقي الأندلس، وفي مدينة مرسية. ولا تحدثنا الرواية بشىء عن حياته الأولى، وكل ما تذكره من ذلك أنه كان رجلا من أصناف الجند بمرسية وغيرها (٢)، ويبدو من أقوال الرواية أنه ظهر بطريقة متواضعة جداً، وذلك بمعاونة قائد أو مقدم من رؤساء العصابات يسمى الغشتى، وكان الغشتى هذا زعيما لعصبة من المجاورين أو " المغاورين " الذين يحاربون النصارى، وأحيانا يقطعون الطرق على المسلمين ونحن نضرب صفحاً عما تذكره لنا الرواية عن تنبؤات المنجمين بشأن ظهوره، ونكتفى بأن نقول بأن ابن هود تفاهم مع الغشتى على التعاون في العمل، وأفضى إليه بما يخالجه من أمل في الاستيلاء على الأمر، وبدأ الاثنان بالإغارة على بعض أراضي النصارى المجاورة لأحواز مرسية، فأصابا غنائم من الماشية والأسرى، وأخذ جمع ابن هود يكثر شيئاً فشيئاً، وتتوطد مكانته في تلك النواحي، وكانت أرومته الملوكية تسبغ عليه مهابة وتجذب إليه الأنصار. ولما كثر جمعه، نهض في رجاله إلى موضع يعرف " بالصخيرات " أو بالصخور، وهو حصن صغير يقع على نهر شقورة على مقربة من مرسية، وهنالك بايعه أنصاره بالإمارة (٣)، فذاع أمره، وسارع كثيرون من الفرسان والجند بالانضمام إليه، وكانت أحوال


(١) تراجع تفاصيل هذه الحوادث في ص ٣٦٠ و ٣٦١ من القسم الأول من هذا الكتاب.
(٢) الروض المعطار ص ١١٨.
(٣) البيان المغرب - القسم الثالث ص ٢٥٦ - ٢٥٧، وابن الخطيب في أعمال الأعلام ص ٢٧٨ و ٢٧٩، والروض المعطار ص ١١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>