وحملها من بغداد إلى الأندلس، مبعوث الخليفة أبو علي حسن بن علي بن حسن الكردى اللقب بالكمال، وتلقاها ابن هود في سنة ٦٣٠ هـ، وهو يومئذ بغرناطة، فقرئ المرسوم على الناس بمصلى العيد، وقد اجتمعوا لطلب الغيث والاستسقاء وابن هود يرتدى السواد، والراية السوداء بين يديه (١)، ومن حسن التوفيق أن نزل المطر على أثر ذلك، فاستبشر الناس، وكان يوماً مشهوداً.
وقد نقل إلينا ابن الخطيب نص هذا المرسوم الخلافي، وفيه يسبغ الخليفة على ابن هود، لقب المتوكل على الله، الذي اختاره لنفسه، ومما جاء فيه بعد الديباجة، وبعد الإشادة بالخليفة المستنصر وعهده:" ولما انتهى إلى علومه الشريفه (أي المستنصر) زادها الله شرفاً وقدساً، ما عليه مجاهد الدين، محمد بن يوسف بن هود، من سلوك سنن الطاعة المؤسس بنيانها على تقوى من الله ورضوان، والتزام شروط الولاء، الذي هو علامة متانة الدين وكمال الإيمان، والتصدى لمقارعة الناكثين عن محجة الحق والهدى، والتجرد لمرابطة من حاد عن السنة والإجماع، اللذين بهما يسترشد ويهتدى، اقتضت آراؤه الشريفة، المقدسة النبوية الإمامية الظاهرة، الزكية الممجدة، المعظمة المكرمة، المستنصرية، زادها الله جلالا متألق الأنوار، وشرفاً رفيع المنار، واقتدارا تجوب جياده جنوب الآفاق والأقطار، أن يقلده أمر جزيرة الأندلس وما يجرى معها من الولايات والبلاد، ويسوغه ما يفتتحه من ممالك أهل الشرك والعناد، تقليداً صحيحاً شرعياً، وتسويغاً صريحاً إمامياً، وإنعاماً يضفو عليه لباس فخاره الفضفاض، وتصفو لديه موارد مواهبه النميرة الحياض.
وقد أمره - صلوات الله عليه - بأوامر تهديه إلى سبيل الرشاد، وتحظيه برضي الله الذي هو أنفع الذخائر في الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، وما توفيق أمير المؤمنين إلا بالله، عليه يتوكل وإليه ينيب ".
ويلى ذلك ما يسديه الخليفة إلى ابن هود من نصائح، تتلخص في وجوب تمسكه بتقوى الله، وبأن يجعل كتاب الله مناراً يرجع إليه في حل المشكلات، وأن يعمل بسنة نبيه، وأن يكثر من مجالسة الفقهاء والعلماء، ومشاورة العقلاء
(١) ابن خلدون ج ٤ ص ١٦٩، وابن الخطيب في أعمال الأعلام ص ٢٨٠. ويقول ابن عذارى إن وصول مرسوم الخليفة كان في سنة ٦٢٩ هـ (البيان المغرب ص ٢٧٦)، ولكنا نرجح الرواية الأولى.