للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشمال على رأس قوة كبيرة، فسارت حتى حدود جليقية، واشتبكت مع النصارى والعصاة في عدة مواقع، وعادت مثقلة بالغنائم والأسرى (١). وفي سنة ١٥٠هـ (٧٦٧ م) بعث عبد الرحمن جيشاً بقيادة مولاه بدر إلى ألبة والقلاع (٢)، وهي المنطقة الواقعة بين بلاد البشكنس وجبال كانتابريا، على ضفاف نهر إيبرو في الطرف الشرقي من مملكة جليقية، فغزاها وتوغل فيها وأرغمها على أداء الجزية، وقبض على كثير من العصاة في تلك الأنحاء (٣). وتقص الرواية النصرانية علينا بعد ذلك نبأ موقعة كبيرة وقعت بين المسلمين والنصارى في بونتومو من أعمال جليقية، وتقول لنا إن عبد الرحمن أرسل في سنة ٧٧٣ م (١٥٧هـ) جيشاً كبيراً إلى الشمال بقيادة حاجبه عامر، أو تمام بن علقمة على يظهر، فلقيه النصارى بقيادة فرويلا في بونتومو، ونشبت بين الفريقين موقعة هائلة، هزم فيها المسلمون وقتل منهم عدد عظيم تقدره الرواية بأربعة وخمسين ألفاً وأسر قائدهم (٤). ولم تشر الرواية المسلمة إلى أن موقعة بهذه الخطورة نشبت بين المسلمين والنصارى، ولاسيما في هذا التاريخ، الذي كان عبد الرحمن مشتبكا فيه مع الدعى الفاطمي في معارك تقتضى كل جهوده وموارده، والرواية النصرانية تبدي كعادتها في هذا الموطن مبالغة تسبغ عليها كبير ريب.

وكان فرويلا طاغية شديد البطش، ولم يكن حكمه موفقاً، فقد اضطرمت في جليقية الغربية نار ثورة كبيرة أيدها المسلمون فيما يظهر، وأخمدها فرويلا بعد جهد، ولكنه فقد كثيراً من أرضه التي افتتحها في تلك الأنحاء، وعادت إلى


(١) Conde: ibid , I.p. ٢٠٧
(٢) تطلق الرواية الإسلامية اسم "ألبة والقلاع" على ولايتي قشتالة القديمة Castille وآلفا Alava معربة عن اللاتينية القديمة Alava et Castella Vetula. وكانت "ألبة والقلاع" تشمل في العصور الوسطى، جميع المنطقة الواقعة بين نهر دويرة جنوبا والبحر شمالا، وبين نافار (بلاد البشكنس) وأراجون (الثغر الأعلى) شرقا ومملكة ليون غربا؛ وألبة هي في الواقع إحدى ولايات بلاد البشكنس، وتمتد غربا حتى "برغش" وشمالا حتى خليج بسكونية، وجنوبا حتى نهر إيبرو. وأما "القلاع" أو قشتالة Castella أو Castille فقد كانت تشمل باقي المنطقة من برغش شمالا إلى ما بعد نهر دويرة (الدورو) وجبال واد الرملة Guadarrama جنوبا، وحتى موقع مدينة مدريد عاصمة إسبانيا الحديثة.
(٣) البيان المغرب ج ٢ ص ٥٦؛ ونفح الطيب ج ١ ص ١٥٦.
(٤) Aschbach: ibid ; I, p. ١٥٩ والهوامش.

<<  <  ج: ص:  >  >>