ومذ ثار شعبها المتوثب، بواليها الموحدي السيد أبي الربيع وقتله، حيرى في أمرها، لا زعيم لها ولا قائد، وتتردد في الطاعة بين مبايعة ابن الأحمر ومبايعة ابن هود، ولكنها أميل إلى الانضواء تحت لواء ابن هود. ومن الأسف أن الرواية الإسلامية التي تعنى دائماً أشد عناية بأحوال قرطبة وأخبارها، لا تمدنا عن هذه الفترة الأخيرة من حياة المدينة الأندلسية العظيمة، أو عن مأساة سقوطها، بأية تفاصيل شافية. ومن ثم فإنه لابد لنا أن نعتمد في ذلك بالأخص على أقوال الرواية النصرانية المعاصرة، إذ هي أكثر عناية وتفصيلا.
ولقد عرفنا من قبل في مواطن وظروف كثيرة، ما كان عليه أهل قرطبة من خلق متمرد مضطرم، لا يلين ولا تصقله عبر الحوادث، ومن ثم فإنا نراهم في تلك الآونة العصيبة، التي كان مصيرهم فيها يهتز في كفة القدر، على خلاف في الرأي، لا يجمعهم شعار الخطر المشترك، ونرى الأحقاد والخصومات، تدفع فريقاً منهم إلى المغامرة بسلامة مدينتهم، فيما يمكن أن يوصم بعمل من أعمال الخيانة، التي لا يمكن أن يغتفرها التاريخ.
ففي أوائل سنة ١٢٣٦ م (أواخر ربيع الثاني سنة ٦٣٣ هـ) خرجت جماعة من الفرسان القشتاليين، وهم من أهل الحدود المغاورين المحترفين، ومعظمهم من منطقة أندوجر الواقعة شرقي قرطبة، وساروا صوب قرطبة، فأشرفوا عليها حينما دخل الليل. وكانت مدينة قرطبة في ذلك الوقت تنقسم إلى خمس مناطق أو أحياء متعاقبة، وبين كل منطقة وأخرى، سور فاصل (١)، وكانت المنطقة الأولى الواقعة شرقي قرطبة، تعرف بالربض الشرقي أو " الشرقية " وتجتمع باقي المناطق فيما يسمى " بالمدينة "، وهي تقع غربي " الشرقية " وكلتاهما الشرقية والمدينة، تقع على الضفة الشمالية لنهر الوادي الكبير. فلما وصل الفرسان القشتاليون وهم فئة قليلة، لا تحدد لنا الرواية عددها، وربما كانت تضم بضع عشرات - إلى مشارف " الشرقية " وضعوا في الحال خطة اقتحامها. وهنا تختلف الرواية في شأن الخطة التي تم بها هذا الاقتحام. ففي رواية ألفونسو الحكيم أن الفرسان القشتاليين أسروا بعض المسلمين من الساخطين على زعمائهم، وعلموا منهم أن المدينة محروسة بشدة، وتفاهموا معهم على إحداث ثلمة في سور الشرقية، واستطاعوا بهذه الطريقة أن يقتحموا السور، وأن يستولوا على الأبراج في ليلة حالكة عاتية