للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألبار بيرث، وجرت بينهما مفاوضات، انتهت بالاتفاق على تجديد الهدنة، بين ابن هود وملك قشتالة لمدة ثلاثة أعوام، وذلك على أن يدفع ابن هود لملك قشتالة إتاوة قدرها مائة ألف وثلاثون ألف دينار، دفع منها في الحال خمسين ألفا، وقسط الباقى على الأعوام الثلاثة، وعلى أن ينزل ابن هود عن بعض الحصون الواقعة في منطقة جبل الشارات (سيرّا مورينا)، وهي حصون نائية، منقطعة لم يكن من السهل أن يدافع عنها أو ينجدها المسلمون (١). ويقول لنا ابن خلدون إن هذه الحصون كانت ثلاثين، وأن ملك قشتالة تعهد بأن يتخلى عن معاونة ابن الأحمر، وأن يعاون ابن هود على تملك قرطبة (٢). على أن هذا القول بالنسبة لابن الأحمر لم يكن يتفق مع ما تم من عقده للسلم مع ابن هود ومبايعته له، وهو ما يقرره لنا ابن خلدون نفسه حسبما سبقت الإشارة إليه. وكان عقد هذه الهدنة، بين ملك قشتالة وابن هود في أواخر سنة ٦٣٢ هـ (صيف سنة ١٢٣٥ م).

وعلى أثر ذلك ارتد ملك قشتالة في قواته عائداً إلى بلاده، وفي خلال هذا العود، قام بمحاصرة " حصن الأطراف " Iznataraf، فاستسلم إليه في الحال على أن يمنح الأمان لمن كان به من المسلمين، وأن يغادروه حاملين ما استطاعوا من أمتعتهم. ثم حاصر من بعده حصن شنت إشتيبن، وهو من الحصون الواقعة في طريق بياسة وأبدة، فسلمه المسلمون إليه بنفس الشروط، واستولى فرناندو في طريقه أيضاً على عدة حصون أخرى في منطقة جيان، وكانت هذه الحصون كلها من الحصون التي نص على تسليمها في الهدنة التي عقدت مع ابن هود.

- ٢ -

والواقع أن هذه الحوادث كلها: غزوات فرناندو الثالث المتوالية لأراضي الأندلس، وتهدئته لابن هود بعقد السلم معه، واستيلاؤه، واستيلاء الجماعات الدينية العاملة باسمه، تباعا على حصون منطقة جيان، لم تكن سوى مقدمات لغاية أخطر وأبعد مدى، كان يضمرها ويعمل لها ملك قشتالة، أو بعبارة أخرى لم يكن سوى تمهيد لضربة مؤلمة جديدة، يزمع إنزالها بالأندلس، تلك هي استيلاؤه على مدينة قرطبة العظيمة.

كانت عاصمة الخلافة القديمة، منذ انهيار سلطان الموحدين في شبه الجزيرة،


(١) البيان المغرب - القسم الثالث ص ٣٢٢، وكذلك: J. Gonzalez: ibid ; p. ٧١ y notas
(٢) ابن خلدون ج ٤ ص ١٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>