للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لابن هود، وبعث إليهم ابن هود أخاه سالما عماد الدولة ليضطلع بولاية إشبيلية مرة أخرى، والظاهر مما يقوله ابن عذارى أنه قد وقع لابن الأحمر بقرطبة، مثلما وقع بإشبيلية، وأن أهل قرطبة، كانوا قد بايعوه في بداية أمره، فلما رأوا فعلته بالباجى، وما ترتب عليها من إخراجه من إشبيلية، نكثوا ببيعته وخلعوا طاعته وعادوا إلى طاعة ابن هود (١).

وحدث عندئذ حادث لم يكن متوقعاً، هو عقد الهدنة والصلح بين ابن هود وابن الأحمر. وذلك أن كلا الزعيمين، أدرك فيما يبدو، خطر الحرب الأهلية الانتحارية، التي يخوضها كل منهما ضد صاحبه، وأنه لن يستفيد من هذا الصراع الأخوى المؤلم، سوى ملك قشتالة، المتربص بهما معا، فتفاهما، وعقد الصلح بينهما، وذلك في شوال سنة ٦٣١ هـ (يونيه ١٢٣٤ م)، وذلك على أن يعترف ابن الأحمر بطاعة ابن هود، وعلى أن يقره ابن هود في ولاية جيان وأرجونة، وبركونة وأحوازها. ويقول لنا ابن خلدون من جهة أخرى، ان اعتراف ابن الأحمر بطاعة ابن هود، وقع على أثر وصول العهد الخلافى من بغداد لابن هود وذلك في سنة ٦٣١ هـ (٢).

ولم يمض قليل على ذلك حتى ثار بمدينة لبلة في سنة ٦٣٢ هـ، وهي من أعمال إشبيلية، قاضيها شعيب بن محمد بن محفوظ ودعا لنفسه، وتسمى بالمعتصم، فسار ابن هود لقتاله، فامتنع بمدينته، وهي ذات موقع طبيعى حصين وأسوار عالية، فحاصرها ابن هود واستمر على محاصرتها حينا، وهي صامدة ممتنعة عليه (٣).

وقد كان سير الحوادث في الواقع يدعو إلى عقد مثل هذا التهادن بين الزعيمين المتنافسين. ذلك أن ابن هود، علم وهو على حصار لبلة، بأن ملك قشتالة قد خرج في قواته صوب الأندلس، يريد محاربته، ولكن فرناندو الثالث، انحرف بقواته نحو منطقة جيان التي يسيطر عليها ابن الأحمر، وأخذ يعيث في أحواز أرجونة، وجيان، وترك ابن هود حصار لبلة، دون أن ينال منها مأرباً، ليعود إلى أراضيه، وهنالك فيما بين إشبيلية وقرطبة وفد إليه سفير فرناندو،


(١) البيان المغرب - القسم الثالث ص ٢٧٩ و ٣٢٢، وابن خلدون ج ٤ ص ١٧٠.
(٢) روض القرطاس ص ١٨٣، وابن خلدون ج ٤ ص ١٧٠.
(٣) روض القرطاس ص ١٨٣، والبيان المغرب ص ٣٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>