للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يضطرم بكثير من الشجاعة والإقدام والعزم، فدعا لنفسه وبويع أولا في أرجونة موطن أسرته ومثوى عصبيته وأنصاره، وفي الجهات المجاورة لها، وذلك في سنة ٦٢٩ هـ. وفي العام التالي، دخل مدينة جيان وبويع بها، ثم أطاعته بسطة، ووادي آش، وهكذا قوي أمره وامتد سلطانه بسرعة إلى أنحاء الأندلس الوسطى وأخذ يتطلع إلى الاستيلاء على القواعد الجنوبية. وكان ابن الأحمر، يرى منذ البداية، أن يستظل بلواء سلطة إسلامية مرموقة. فدعا أولا للأمير أبي زكريا الحفصى صاحب إفريقية وتلقى منه بعض العون، ولكنه عاد، فدعا على نمط ابن هود للخليفة العباسي، المستنصر بالله (١).

ولم يلبث ابن هود أن شعر بخطورة هذه الحركة، التي يضطلع بها منافسه الجديد، في المناطق الوسطى والجنوبية، ومن ثم فقد اعتزم أن يتأهب لمقارعته والقضاء على حركته، ولم يكن بخاف أيضاً على ابن الأحمر خطورة المعركة التي يجب عليه أن يخوضها مع ابن هود، لكي تخلص له رياسة الأندلس، ومن ثم فقد أخذ من جانبه يتأهب لخوضها، وكان عقد ابن هود للهدنة، مع القشتاليين، يرجع قبل كل شىء إلى رغبته في التفرغ لهذه المعركة الداخلية. ومن جهة أخرى فقد اتجه ابن الأحمر إلى العمل على تقوية جانبه، بالتفاهم مع أبي مروان أحمد ابن محمد الباجى المتغلب على إشبيلية، وذلك بأن عقد معه حلفاً، وصاهره على ابنته، واتفق الاثنان على مقاومة ابن هود ومحاربته.

وتأهب الفريقان للحرب، وحشد كل منهما ما استطاع من قواته، والتقيا على مقربة من إشبيلية، ووقعت بينهما معركة، كانت الهزيمة فيها على ابن هود، وكان النصر لابن الأحمر وحليفه الباجى، وكان وقوعها في أوائل سنة ٦٣١ هـ (١٢٣٣ م) (٢). ودخل ابن الأحمر إشبيلية بعد ذلك بقليل، وهو يضمر الغدر بحليفه وصهره الباجى، ولم يلبث أن دس عليه أحد أصهاره من بني أشقيلولة فقتله وذلك في جمادى الأولى من نفس العام، وبادر ابن الأحمر فاحتل القصبة، وحاول أن يبسط سلطانه على المدينة، ولكنه لم يلبث فيها سوى شهر، وثار به أهل إشبيلية، وأخرجوه من القصبة ومن المدينة، عنوة، ثم عادوا فدعوا


(١) البيان المغرب ص ٢٧٩، وابن خلدون ج ٤ ص ١٧٠. وراجع كتابى " نهاية الأندلس وتاريخ العرب المتنصرين " الطبعة الثانية ص ٣١ و ٣٢.
(٢) روض القرطاس ص ١٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>