إليهم أنه اختار:" ولى عهدنا، المتولى لأمور المسلمين من بعدنا، ابننا الأمير الموفق المبارك الميمون السعيد الرشيد، الواثق بالله، المعتصم به، أبا بكر محمداً، أدام الله توفيقه، ومنحه إنجاده وعضده وإسعاده، وتملكه جميع أمورها، وكافة حواضرها وثغورها، وتقدمه فيها في بلاد هي منشأه ومشيئته ومبدأه "، وأنه يوليه " جميع أقطار المشرق، وبلاده، وأغواره وأنجاده، تولية عامة في حياتنا، مع أنه المتولى بحكم العهد الذي ارتضينا له لكل ممالكنا وطاعاتنا، وخصصنا هذه البلاد الشرقية، حاطها الله تعالى بتقديمه فيها "(١).
وكان مما يوطد مركز ابن هود، ويدعم زعامته وهيبته، هو تجرده لمحاربة النصارى، وما يخوضه معهم من معارك متوالية، وإذا كان ابن هود قد انتهى بأن عقد الهدنة، مع ملك قشتالة، نظير إتاوة يؤديها إليه، فإن ذلك لم يكن إلا نزولا منه على حكم الظروف، لكي يتفرغ لمقارعة خصومه ومنافسيه.
- ١ -
على أن ابن هود لم يكن منفرداً برياسة الأندلس، ولو أتيح له هذا الانفراد بالرياسة، لكان من المرجح أن يكون له في قيادة الأندلس شأن آخر، وقد رأينا فيما تقدم، أنه في الوقت الذي قام فيه بمرسية، كان له في شرقي الأندلس، منافس آخر، هو أبو جميل زيان بن مردنيش القائم في بلنسية. بيد أن هذه المنافسة المحلية في الشرق، لم تكن مما يضايق ابن هود أو يهدد زعامته، وإنما كان يتوجس ويخشى من قيام زعيم آخر، أخذ نجمه يبزغ في أواسط الأندلس، وجنوبها بسرعة، ويظفر بطاعة قاعدة بعد أخرى، ولم يكن هذا الزعيم الأندلسي الجديد، سوى محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن خميس النصري المعروف بابن الأحمر. وكان بنو نصر هؤلاء، وهم يرجعون نسبتهم إلى سعد بن عبادة سيد الخزرج، في الأصل سادة حصن أرجونة، الواقع على مقربة من نهر الوادي الكبير، ومن أعمال ولاية جيان. وكان لبني نصر في تلك المنطقة عصبية ووجاهة مؤثلة، فلما اضطربت الأمور، وانهار سلطان الموحدين بالأندلس، وظهر ابن هود في الشرق، وأخذ سلطانه يمتد نحو الجنوب، لاحت لمحمد بن يوسف فرصة للظهور والعمل، وكان هذا الزعيم المتواضع الموهوب معاً،
(١) وردت هذه الرسالة في كتاب " زواهر الفكر " الذي سبقت الإشارة إليه (مخطوط الإسكوريال رقم ٥٢٠ الغزيرى، و ٥١٨ ديرنبور).