المدينة المحصورة وشأنها. ذلك أن القشتاليين كانوا في قلة من العدد، ولم يكن مع ملك قشتالة سوى نحو مائتي فارس من الأشراف، ولم تكن الحشود الواردة من مختلف أنحاء قشتالة، تؤلف قوة ذات شأن. ولكن الذي حدث هو أن ابن هود لبث جامداً في قواته. وهنا تختلف الرواية في إيضاح سبب هذا الجمود. فيقال لنا إن قسوة الطقس، وهطل الأمطار بشدة، ونقص المؤن، حملت ابن هود على التريث والإحجام. ووردت في تاريخ ألفونسو الحكيم قصة أخرى، خلاصتها أنه كان يوجد في جيش ابن هود فارس قشتالى منفى بأمر مليكه يدعى لورنسو خواريز، ومعه مائتان من المرتزقة النصارى، وكان ابن هود يقربه ويثق به ويعمل بنصحه. فلما نزل ابن هود وجيشه في إستجة، وهو يعتزم مقاتلة القشتاليين، فكر هذا الفارس في أن يسترد رضى مليكه بخدمة عظيمة يؤديها إليه، وهو أن يعمل على خدعة ابن هود ورده عن مقاتلة القشتاليين، وإنجاد أهل قرطبة، فتظاهر بأنه سوف يتسلل إلى المعسكر النصراني تحت جنح الليل، ويقف على مبلغ عدده وعدته. وسار لورنسو بالفعل ليلا مع أصحابه إلى المعسكر النصراني، وترك أصحابه على مقربة من المعسكر، وتقدم بنفسه إلى خيمة الملك، وطلب مقابلته لأمر خطير، فاقتيد إليه، وكان الملك غاضباً عليه، فلما شرح إليه مهمته، وأنه يريد أن يعمل على خدعة ابن هود، وتخويفه من قوة الجيش القشتالي وعدده، ورده عن مقاتلته، عفا عنه الملك، ووعده برعايته، وتفاهم الإثنان على ما يجب عمله. وعاد لورنسو إلى ابن هود، وحذره بشدة من الاشتباك مع القشتاليين، لأنهم في جيش قوي، حسن الأهبة والعدد، ولا يؤمن الدخول معه في معركة، فاستمع ابن هود إلى نصحه، وقرر أن يتخلى عن مشروعه في إنجاد أهل قرطبة والاشتباك مع القشتاليين (١).
هذا ما تقرره الرواية النصرانية عن السبب في إحجام ابن هود عن إنجاد أهل قرطبة. وتزيد الرواية النصرانية على ذلك، أن ابن هود تلقى في اليوم التالي رسالة من صاحب بلنسية أبي جميل زيان، ينبئه فيها، بأن خايمى ملك أراجون يشتد في مضايقته وإرهاقه، ويطلب إليه الإنجاد والغوث، وأن ابن هود عملا بنصح مستشاره لورنسو خواريز، قرر أن يسير إلى بلنسية، وقد كان يطمح إلى
(١) Cronica General (Ed. Pidal) T. II. p. ٧٨٢، وكذلك J. Gonzalez: ibid ; cit. Cronica Latina ; p. ٧٨ y notas