للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ْوهذا كله إلى ظروف الجو وقسوة الشتاء وفيضان الأنهار. ولكن ملك قشتالة لم يلق بالا إلى شىء من هذه الاعتراضات، ولم يكن يرى بالأخص في مهاجمة قرطبة نقضا لعهوده مع ابن هود، إذ كان فريق من أهل المدينة هم الذين استدعوا النصارى. ومن ثم فقد بادر فرناندو الثالث من فوره بالمسير إلى الجنوب، ومعه قوة من مائة فارس فقط، وقصد من فوره إلى قرطبة، فوصل إليها في اليوم السابع من فبراير، واضطرمت الحشود النصرانية المرابطة تحت أسوار المدينة حماسة لمقدمه، وكانت تتضخم كل يوم بمن يفد إليها من حشود قشتالة وليون، ومن فرسان الجماعات الدينية المختلفة. ونصب ملك قشتالة محلته قبالة قنطرة قرطبة التي تؤدى إلى طريق إستجة. وأخذ في الحال في وضع خطة للاستيلاء على المدينة (١).

وهنا يحق لنا أن نتساءل، ماذا كان موقف القرطبيين إزاء هذا الخطر الداهم، وماذا كان بالأخص موقف ابن هود. أما عن القرطبيين، فليس ثمة شك في أنهم اعتزموا منذ اللحظة الأولى الدفاع عن مدينتهم وحاضرتهم، ولكن كان من الواضح أنه كانت تنقصهم القيادة الحازمة، وكان ينقصهم بالأخص اجتماع الكلمة. وعلى أي حال فإن الرواية الإسلامية تذكر لنا أن أهل قرطبة لبثوا مع النصارى في قتال شديد (٢)، وهي لا تذكر لنا اسم الزعيم أو القائد الذي اجتمع حوله أهل قرطبة في تلك الآونة العصيبة، وإن كانت الرواية النصرانية تذكر لنا أنه كان يسمى أبا الحسن. وأما عن ابن هود، وهو صاحب الولاية الشرعية على قرطبة، فقد كان من الطبيعي أن يتجه إليه القرطبيون لإنجادهم والدفاع عن مدينتهم. وكان ابن هود في الواقع قد هرع في قواته من قطاع مرسية، حينما علم بالخطر الذي يحدق بعاصمة الخلافة القديمة. وكان في جيش قوي يبلغ نحو خمسة وثلاثين ألف مقاتل، ومعه نحو مائتي فارس من المرتزقة النصارى، فسار في قواته مسرعاً صوب قرطبة، وانحرف عن العاصمة قليلا نحو الجنوب الشرقي، وعسكر على مقربة من إستجة. وكان أهل قرطبة ينتظرون بفارغ الصبر مقدم ابن هود، واشتباكه مع النصارى في معركة فاصلة، ولم يكن ثمة ريب أن ابن هود لو اشتبك بجيشه مع القشتاليين، لحقت عليهم الهزيمة، ولتركوا


(١) J. Gonzalez: ibid ; p. ٧٦-٧٨ ; M. Lafuente: Historia General de Espana ; T. IV. p. ٤٣
(٢) روض القرطاس ص ١٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>