للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بضعة أشهر، وأضحى الموقف مستحيلا، خصوصاً بعد أن نكل ابن هود عن إنجاد المدينة المحصورة، وأحجم عن كل اشتباك مع القشتاليين. وكان بعض الغلاة من صحب ملك قشتالة من الأحبار والأشراف، يرون رفض التسليم واقتحام المدينة، وقتل كل أهلها المسلمين، ولكن ملك قشتالة ومعه فريق آخر من مستشاريه، كان يرى أن هذا الإجراء قد يدفع أهل المدينة إلى اليأس، وتخريب المدينة، ومسجدها الجامع، وتحطيم سائر ذخائرها وثرواتها. والظاهر أيضاً أن ابن الأحمر، حليف ملك قشتالة أو تابعه، كان له يد في إقناعه بقبول التسليم، وتأمين أهل المدينة. وفي نفس الوقت عقدت بين ملك قشتالة، وابن هود هدنة جديدة، لمدة ستة أعوام يلتزم فيها ابن هود بأن يدفع إتاوة قدرها اثنين وخمسين ألف مرافيدى على ثلاثة أقساط سنوية (١).

وهنا أيضاً، لا تقدم إلينا الرواية الإسلامية، أية تفاصيل شافية عن تسليم قرطبة ودخول النصارى إياها، وذلك حسبما فعلت بالنسبة لسقوط بلنسية، وكل ما تذكره في هذا الشأن كلمات موجزة، مثل " وتغلب عليها النصارى " أو " كان دخول النصارى مدينة قرطبة " أو " ملكها النصارى " أو ما شابه هذه العبارات من كلمات مقتضبة (٢). وهنا أيضاً يجب أن نعتمد في ذكر هذه التفاصيل على الرواية النصرانية. فإنه ما كاد عهد التسليم يعقد بين أهل المدينة، وبين ملك قشتالة حتى ترك أهل قرطبة دورهم، وأوطانهم، وغادروا مدينتهم العزيزة التالدة، حاملين ما استطاعوا من أمتعتهم، وقد برح بهم الجوع والحزن، وتفرقوا في أنحاء الأندلس الأخرى. وفي يوم الأحد الثالث والعشرين من شهر شوال سنة ٦٣٣ هـ، الموافق ٢٩ يونيه سنة ١٢٣٦ م (٣)، دخل الجند القشتاليون مدينة قرطبة، وفي الحال رفع الصليب على قمة صومعة جامعها الأعظم، ودخل أسقف أوسمة إلى الجامع، وحُول في الحال إلى كنيسة. وفي اليوم التالي، يوم الاثنين ٣٠ يونيه دخل فرناندو الثالث ومن معه من الأشراف والكافة، قرطبة، ثم دخل الجامع، وهنالك استقبله أساقفة أوسمة، وبياسة، وقونقة، وسائر رجال الدين، وأقيم


(١) J. Gonzalez: ibid ; p. ٧٩ & ٨٠ y notas
(٢) ابن الأبار في التكملة (القاهرة) في الترجمة ٣٠٢، والبيان المغرب ص ٣٢٢، وابن خلدون ج ٤ ص ١٧١، وروض القرطاس ص ١٨٣، والروض المعطار ص ١٥٨، ونفح الطيب ج ٢ ص ٥٨٥.
(٣) ابن الأبار في التكملة (القاهرة) ص ٢٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>