للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الحال قداس شكر بورك فيه الملك. ومما تذكره الرواية النصرانية في هذا الموطن، أن الملك فرناندو أمر بأن تنزع النواقيس التي كان الحاجب المنصور قد أخذها من كنيسة شنت ياقب (سنتياجو) حين غزوه لمدينة شنت ياقب في سنة ٣٨٧ هـ (٩٩٧ م) وحملها الأسرى النصارى على كواهلهم حتى قرطبة، وهنالك جعلت رؤوسا للثريات الكبرى بالجامع - أمر بأن تنزع هذه النواقيس، وأن يحملها الأسرى المسلمون على كواهلهم، إلى شنت ياقب، لترد هنالك إلى أمكنتها بالكنيسة الكبرى (١). ثم سار الملك بعد ذلك إلى قصر قرطبة، القريب، وهو قصر الأمراء والخلفاء الأمويين القدماء، ونزل فيه، وندب لحكم المدينة المفتوحة الدون تليو ألفونسو، وحشدت لحراسة المدينة حامية كافية من الفرسان، وأخذ النصارى يفدون إليها من سائر الأنحاء لسكناها وتعميرها، وفق الخطة التي وضعها الملك لذلك، وانصرف ملك قشتالة، عائداً إلى بلاده (٢).

وهكذا سقطت قرطبة، عاصمة الخلافة القديمة، وكبرى قواعد الأندلس، ومثوى العلوم والآداب الأندلسية، وذلك بعد أن حكمها المسلمون، منذ افتتاحها في سنة ٩٢ هـ (٧١١ م) خمسمائة وخمسة وعشرين عاماً، وبعد أن لبثت قرونا منارة ساطعة، تبث أضواء علومها وفنونها، في سائر أنحاء شبه الجزيرة، وفيما وراء جبال البرنيه. ومن الغريب المحزن، أن الرواية الإسلامية لا تكاد ترثى قرطبة إلا بمقتضب الكلم، وأن الشعر الأندلسي وكذلك النثر، لا يخصانها بشىء من تلك القصائد الرنانة المؤسية، وتلك الرسائل البليغة المبكية، التي يخصان بها قواعد مثل طليطلة، وبلنسية، وإشبيلية. وربما كان سبب ذلك أنه لم يكن ثمة بقرطبة، عند سقوطها، كتاب وشعراء مثل ابن الأبار، وأبي المطرِّف بن عميرة المخزومي، وإبراهيم بن سهل الإشبيلي.

ومن الواضح أن سقوط قرطبة، كان نذيراً بخضوع معظم البلاد والحصون القريبة، لسلطان النصارى. ومع أن ملك قشتالة لم يضع يده نهائياً على تلك البلاد والحصون، إلا أنها خضعت جميعاً لطاعته، وتعهدت بأداء الجزية، والسماح بإقامة حاميات نصرانية بها. وكان من هذه البلاد والحصون، إستجة، والمدور، وإشتبة، وبيانة، وأجيلار (بلاى) ومرشانة وقبرة وأشونة، واللسانة، ومورور وغيرها.


(١) Cronica General (Ed. Pidal) ; p. ٧٣٤
(٢) J. Gonzalez: ibid ; p. ٨٠ & ٨١ y notas

<<  <  ج: ص:  >  >>