للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- ٣ -

لما جددت الهدنة بين ملك قشتالة، وابن هود، وانتهت المأساة بتخلى ابن هود عن إنجاد قرطبة، لتسقط بعد ذلك بقليل في أيدي النصارى، غادر ابن هود في قواته مدينة إستجة. وليس في الرواية ما يبين لنا اتجاهه، وخط سيره في تلك الآونة. بيد أنه وجّه بعد ذلك بقليل، في الرابع والعشرين من جمادى الأولى سنة ٦٣٤ هـ، إلى نوابه وعماله في مختلف القواعد التي تدين بطاعته، كتابا يحثهم فيه على تقوى الله، ومراعاة أحكامه وحدوده، والاقتداء بالسلف الصالح، والحرص على صون الدماء، وحقنها، وعدم إراقتها إلا بمسوغ شرعى، واختيار المشرفين على الأموال من ذوى العفة والنزاهة والدين، لأن حرمة الأموال مشبهة بحرمة الدماء، وأن تكون معاملة الناس في الحق سواء، دون محاباة ولا مفاضلة، ولا مجاوزة في تغليب قوي على ضعيف، ولا يؤخذ أحد بجريمة غيره، وأن يجرى العمل باتباع أحكام كتاب الله، وأن يتلى كتابه هذا على الناس جملة وتفصيلا (١).

ولسنا نعرف شيئاً عن حركات ابن هود وأعماله في الأشهر التالية، ولكنا ْنراه يتجه في قواته نحو ثغر ألمرية في أوائل سنة ٦٣٥ هـ. وكانت ألمرية في مقدمة البلاد التي نادت بطاعته، ودعا له بها أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي يحيى الرميمى، وهو حفيد واليها السابق أبي يحيى الذي افتتحها النصارى من يده، في سنة ٥٤٢ هـ، واستردها الموحدون بعد ذلك أيام الخليفة عبد المؤمن بن علي في سنة ٥٥٢ هـ. ولما دعا أبو عبد الله لابن هود بألمرية، قصد إليه بمرسية، فولاه ابن هود وزارته، وصرف إليه أموره، فأبدى غيرة في خدمته، وأقنعه بأن يحصن ألمرية، وأن يجعل منها مثوى له، يلجأ إليه عند الحاجة، ثم تولى الرميمى شئون ألمرية، واستبد بها، ولبث أثيراً عند ابن هود وموضع ثقته، وكان يدعى بذى الوزارتين. وتختلف الرواية في أمر البواعث التي حدت بابن هود إلى أن يقصد إلى ألمرية بعد أن ترك قرطبة لمصيرها، فهناك قول بأنه كان يقصد السير بقواته إلى بلنسية لإنجاد صاحبها أبي جميل زيان، وأنه كان يزمع أن ينقل جنده بالسفن من ألمرية إلى بلنسية، وهذا قول الرواية النصرانية، متمشياً مع ما سبق ذكره من قولها، إن أبا جميل زيان بعث إلى ابن هود يستغيث به وهو في


(١) أورد لنا صاحب البيان المغرب نبذة طويلة من هذا الكتاب (ص ٣٣٢ - ٣٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>