إستجة، وأن ابن هود قرّر أن يستجيب إلى هذا الصريخ، لأنه كان يطمح إلى امتلاك بلنسية. بيد أنه يبدو من الأرجح أن ابن هود كان يقصد إلى العمل، على توطيد سلطانه في المنطقة الجنوبية، خصوصاً وقد كانت غرناطة تضطرم يومئذ بالثورة عليه وتنادى بخلع طاعته، حسبما نبين بعد، وأنه سار إلى ألمرية أولا لينظم خطة العمل. ثم إن الرواية الإسلامية تقدم إلينا تعليلا آخر، هو أن ابن هود كانت له جارية إسبانية رائعة الحسن. من بنات الأشراف، وكان قد أودعها لدى الرميمى بألمرية خشية أن يتسرب خبرها إلى زوجته، فشغف بها الرميمى، واستأثر بها، فنمى ذلك إلى ابن هود، فسار إلى ألمرية، وهو يضمر معاقبة الرميمى، فلما وصل إلى ظاهر ألمرية، استقبله الرميمى بمنتهى الحفاوة ودعاه إلى قصره، ليقوم بحقه، وليجتمع هنالك بجاريته الحسناء، فقبل ابن هود دعوته، ولما حل بالقصر على مأدبة حافلة، كان ابن الرميمى قد دبر أمره للقضاء عليه متى جن الليل، فقيل إنه دس عليه بالحمام أربعة من رجاله قضوا عليه، وقيل إنه قتله خنقاً بمخدتين أقعدهما على نفسه وفيه. وهكذا لجأ الرميمى إلى الجريمة احتفاظا بسلامته وسلطانه. وفي صباح اليوم التالي أعلن وفاة ابن هود، وأنه توفي فجأة من صرع أصابه، ووضعت جثته في تابوت أرسل بحراً إلى مرسية، وكان مصرع ابن هود على هذا النحو في الرابع والعشرين من جمادى الأولى سنة ٦٣٥ هـ (٢١ يناير ١٢٣٨ م)(١).
واستمر الرميمي على رياسته لألمرية فترة أخرى حتى انتزعها منه ابن الأحمر. وهكذا توفي محمد بن يوسف بن هود المتوكل، وهو في ذروة سلطانه، ومشاريعه، وانهارت بوفاته دولته التي لم يطل أمدها سوى تسع سنين وبضعة أشهر، والتي كانت تبشر حين قيامها، بعهد جديد من الإحياء والاستقرار يالنسبة للأندلس. وكانت ثورة ابن هود وحركته، رمزاً لتلك الأمنية القديمة، التي اتخذت من قبل شعاراً لمختلف الثورات التي قامت ضد المرابطين في نهاية عهدهم، والتي اضطلع بها محمد بن سعد بن مردنيش، في أوائل عهد الموحدين وهي العمل على تحرير الأندلس من نير حكامها الأجانب، وكان ابن هود في الوقت الذي يعمل فيه لتدعيم سلطانه، وزعامته، مخلصاً لدعوته، وغايته في
(١) البيان المغرب - القسم الثالث ص ٣٣٥ و ٣٣٦، والمقرى في نفح الطيب ج ٢ ص ٥٨١ و ٥٨٢. ويقول ابن الأبار إن مصرع ابن هود وقع في السابع والعشرين من جمادى الأولى سنة ٦٣٥ هـ (الحلة السيراء ص ٢٤٩).